مقدمة
لا تكتمل مهمة توثيق حياة فنانٍ وأعماله من دون توثيق المرحلة الزمنية التي عاشها الفنان واستعراض المشهد الفني العام بما يشتمل عليه من توجهاتٍ ورؤى وتجارب ومغامرات، فالفنان مهما تفرّد يبقى جزءاً من حراك فني يتأثر به ويؤثر فيه.هذا ما اكتشفته أثناء بحثي في الأرشيف الضخم الذي خلّفه والدي، حيث الأعمال الفنّية بمراحلها المختلفة وتخطيطاته واهتماماته وملاحظاته ومراسلاته وصداقاته ورحلاته وأنشطته في المعارض وتجربته في تدريس الفن وصوره الشخصيّة مع فناني عصره وأدبائه ومواقفه من الأحداث التي مرت بها بلاده.
كان مرسم والدي يحتل مساحة واسعة في منزلنا القائم في أحد أحياء دمشق العريقة. وكان من عادتي، منذ تفتّحت مداركي، أن أراقبه وهو منكبّ على لوحة منصوبة أمامه، يعمل على ألوانها وخطوطها بانهماك راهب وشغف عاشق، أو وهو يجلس إلى طاولة مكتبه يضع دراسات لتصاميمه المتنوعة أو يسجّل ملاحظات أو يقرأ في كتاب. وقد شهد هذا المرسم لقاءاتٍ وجلساتٍ كانت تتكرر أسبوعياً مع ثلّة من أصدقائه الفنانين والأدباء، اتسمت بالحوارات العميقة وتبادل الآراء ولكنها لم تخل من مداعبات وممازحات، في أجواء حميمية من المودّة والصداقة الحقّة النقية التي كانت تجمعهم جميعاً.
كان من سمات والدي المميزة حرصه على الاحتفاظ بكل ما يخص أعماله وأنشطته وتصنيفها في ملفات، وكان ذلك عوناً كبيراً لي عندما شرعت بجمعها وتبويبها لإنجاز هذا الأرشيف الشامل والذي أرجو أن يظلّ إرثاً للآتي من الأجيال، وإضاءة على مرحلة مهمة من تاريخ الفن، لا في سورية فقط، بل في العالم كله.
في إحدى الزيارات إلى دمشق عام 2010، ناقشت مع أخي أمين أهمية أرشفة وتوثيق أعمال والدنا وكيفية الحفاظ على إرثه الفني. من أجل البدء احتجنا إلى هيكل لتنظيم العمل، إذ كانت لدينا أعمال متنوعة مقسمة إلى مراحل مختلفة من حياته المهنية نُفذت بوسائط مختلفة على مدار سنوات امتدت إلى أكثر من خمسين عامًا. بدأنا أولاً بتنظيم الأعمال الفنية بتصنيفها ضمن أربع فترات: فترة البدايات (1939-1953)، ثم فترة روما حيث درس الفن بشكل أكاديمي (1953-1957)، تليها فترة حوران (1957-1963)، وأخيرا فترة الأعمال الحروفية التجريدية التي عُرف بها حتى نهاية حياته (1963-1988). جاءت الخطوة التالية بتصوير جميع اللوحات والرسومات الكبيرة على الورق والميداليات المتوفرة لدينا في المرسم، صوراً عالية الدقة من أجل إنشاء الأرشيف الرقمي. وفقًا لتلك لفترات، قمنا بتنظيم الأرشيف الورقي في مصنفات ضمت الرسومات والدراسات والتصاميم المختلفة للشعارات والطوابع وأغلفة الكتب والمجلات، ومنها تصاميم ورسومات لمجلة الجندي ومجلة التبغ تعود إلى الخمسينات من القرن الماضي. وحفظنا أيضاً سجلات للوثائق مثل الرسائل الخاصة والمراسلات الرسمية والصور الفوتوغرافية وكتيبات المعارض والمواد التعليمية ومقالات وترجمات حماد والمقالات التي كُتبت عنه. ووجدنا نسخة عن كتابات بخط اليد للفنان أدهم اسماعيل عن يوميات رحلته مع حماد من روما إلى الأندلس عام 1955 وما حصل فيها من مشاهدات ومواقف ونوادر شيقة، وقد زينها بعدد من الرسومات. أخيرًا، قمنا بترتيب جميع المطبوعات، كالمقابلات في المجلات والصحف والكتب ومسحها رقمياً. بالإضافة إلى تلك المحفوظات، عدنا إلى جميع الصور والشرائح والأفلام السلبية وقمنا بمسحها ، حيث اعتاد حماد على تصوير أعماله عند الانتهاء من العمل عليها، وكانت لديه غرفة مظلمة في المنزل لتظهير وطباعة صوره. قمنا أيضًا بنقل جميع أشرطة الفيديو التي فيها مقابلات مع حماد ومع فنانين آخرين كنصير شورى ونعيم اسماعيل والياس زيات، والتي عُرضت على شاشة التلفزيون السوري إلى أفلام رقمية. ولقد وجدنا سجلات وقوائم وثّق فيها حماد الأعمال التي أنجزها في كل عام والصالات التي عرضتها، وتفاصيل أخرى عنها مثل أسعار اللوحات ومن انتقاها، إلى آخره من المعلومات الهامة لتوثيق أكثر دقة. كذلك وجدنا أن معظم الأعمال من فترات البدايات وحوران والحروفية كانت مرقمة سواء في سجلات حماد أو خلف اللوحة. سمحت لنا هذه المعلومات بالتعرف على الأعمال المفقودة في الأرشيف وتوثيق أصالة الأعمال المنسوبة إلى حماد. بالنتيجة تم توثيق حوالي 4600 عمل من لوحات ورسومات ودراسات على ورق.
إن الصور والمراسلات والوثائق والمنشورات والكتالوجات لهي توثيق للأحداث التي وقعت في سوريا وروما والعديد من البلدان الأخرى، مثل الجمعيات الفنية الأولى في دمشق في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين، ومرحلة الدراسة في روما مع العديد من الفنانين العرب الذين سجلوا لاحقاً حضوراً مميزاً على الساحة الفنية المحلية والعربية والعالمية. وتشتمل المواد من الستينات والسبعينات والثمانينات على معلومات هامة حول تأسيس كلية الفنون الجميلة بدمشق والمناهج التعليمية والأساتذة الزائرين من الخارج ومعلومات عن المؤتمر العربي الأول للفنون الجميلة الذي عُقد في دمشق عام 1971، والذي تلاه المؤتمر الأول للاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب الذي نُظّم في بغداد عام 1973، والعديد من التفاصيل الأخرى الهامة لتسجيل تاريخ حركة الفن الحديث في سوريا. لذا فإن هذا الأرشيف هو أيضاً تحية لجيل الفنانين الرواد الذين تضافرت جهودهم واندمجت أفكارهم للنهضة بالفن ليس السوري فحسب، وإنما العربي أيضاً. كانت معاناتهم متشابهة وعملوا في ظل ظروف ثقافية ومادية صعبة خاصة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. وجاءت تجاربهم محاولات جدية لجعل الفن السوري، الذي تكاسل بعد عهود من الاستعمار والانتداب، يلتحق بالتجارب الأوروبية والعالمية التي تطورت عبر السنين ودخلت في مراحل عديدة أوصلتها بالنتيجة إلى الفن الحديث.
إضافة إلى كل ما ذكرته من أبعاد تاريخية وتوثيقية، لابد من الاعتراف بالبعد الشخصي. حيث أن العمل على هذه المحفوظات قد عرّفني على نواحٍ أخرى في شخصية والدي لم أكن على درايةٍ بها وقد أعاد الى ذاكرتي شريطاً من الأحداث التي عايشتها وما زلت أحنّ اليها.
لبنى حماد
٢٧ آذار، ٢٠٢٣
تقرير تقني
تمثل مجموعة أرشيف محمود حماد ثاني مجموعات أرشيف الفن السوري الحديث التي أخذنا على عاتقنا العمل عليها ونشرها، ضمن تطلعنا إلى التوثيق وتعزيز الخلق المعرفي. لدى اتفاقنا مع مالكي أرشيف محمود حمّاد، ابنته السيدة لبنى حمّاد وابنه الدكتور أمين حمّاد، وضعنا يدنا على محتوى ذي قيمة أساسية في تاريخ الفن السوري. من المعروف أن الفنان محمود حمّاد، إضافة لكونه أحد أبرز المؤسسين في التشكيل السوري الحديث، خصوصاً بتوجهاته الحروفية والتجريدية، كان أحد أبرز مؤسسي كلية الفنون الجميلة إداريّاً ومنهجياً، وعميداً لها على مدار عقد من الزمن من العام ١٩٧٠ حتى العام ١٩٨٠. إن غنى تجربته الشخصية والفنية والتربوية منح هذا الأرشيف بعداً وثائقياً في غاية الأهمية لاستكشاف المشهد الفني والتعليمي والاجتماعي التاريخي المتعلق بحياة الفنانين.
تعود أقدم هذه الوثائق إلى العام١٩٢٤، وأحدثها للعام ١٩٨٨. أي منذ أن كان عمر الفنان محمود حماد سنة واحدة إلى عام وفاته. من خلال ثمانية ملفات رئيسية : وثائق (١٧٢)، رسائل (٤٣)، مخطوطات (٥٧) أعمال نصبية (٢٥٨) صور (٧٩٥) بطاقات بريدية (١٠٩) مقالات (١٢٨) كتابات (٢٨)، تتجلى أهمية هذه المجموعة الأرشيفية على ثلاث مستويات : أهمية تاريخية ذات قيمة ثقافية، أهمية فكرية ذات طبيعة علمية، أهمية فنية ذات بعد شخصي.
الملفات
تم تقسيم ملف «وثائق» إلى ثلاثة ملفات فرعية بناء على طبيعة كل مجموعة من الوثائق وهي : «شهادات من روما» (بين عامي ١٩٣٥و ١٩٥٧) متضمناً أنواع مختلفة من الأوراق الثبوتية والشهادات التي حصل عليها محمود حماد أثناء دراسته وإقامته في روما. ثاني الملفات الفرعية «مراسلات ووثائق رسمية» (بين عامي ١٩٤٤و ١٩٨٨) يتضمن التبادلات المكتوبة بين حمّاد وجهات رسمية سورية وعربية وأجنبية، وقراراته الإدارية في فترة عمادته لكلية الفنون الجميلة، وبعض التقارير العلمية وغير ذلك من وثائق رسمية. ثالث ملف فرعي «وثائق شخصية» (بين عام ١٩٢٥ وعام ١٩٨٢ ) يحتوي على بطاقات شخصية لمحمود حماد مثل انتساباته المهنية وبعض التراخيص والشهادات من المدارس الإيطالية في دمشق.
ملف «رسائل» وهي رسائل تم فصلها عن ملف مراسلات ووثائق رسمية لأنها تبادلات متعلقة بحياة محمود حماد العائلية أو الشخصية والصداقات. يمتد هذا الملف بين عامي ١٩٢٣و ١٩٨٧.
ملف «مخطوطات» يجمع هذا الملف كتابات بخط اليد لمحمود حماد كمسوّدات لمقالات ومحاضرات له وبعض الترجمات ومسوّدات لمقابلات معه ونسخ أولى من تقارير علميّة وكتابات لبضع كتاب آخرين. وسبب جمع تلك الوثائق تحت هذا التصنيف بغض النظر عن طبيعتها سواء كانت رسمية أم خاصة هو عدم تأكدنا من أنها قد نشرت لاحقاً على حالها أو فيما إذا كان قد تم استخدامها دون أي تعديلات تحريرية أو فكرية. بالإضافة لعدم توفر معلومات عن جهات النشر.
ملف «أعمال نصبية» يحتوي هذا الملف على سبع ملفات فرعية تتضمن بعض الوثائق وعدد كبير من الصور المتعلقة بالأعمال النصبية التي نفذت أو لم تنفذ. في عناوين هذه الملفات الفرعية أضفنا التاريخ إلى العنوان لأهميته الدلالية. تتنوع صور الملفات بين صور توثيقية للأعمال المنفذة وللنماذج النحتية المصغّرة ونسخ رقمية عن المخططات والمناظير والرسوم الفنية الأولية.
ملف «صور» وهو أكبر ملفات مجموعة محمود حمّاد الأرشيفية، قمنا بتقسيمه كعقود زمنية ابتداءً من العشرينات وانتهاءً بالثمانينات، حيث احتوى كل واحد من الملفات الفرعية على ملفات من المستوى الأصغر تعتمد على الوصف التقني للمجموعات من الصور بما يشبه الألبومات. وبالنظر إلى العدد الكبير للصور، سنكتفي بنشر بعض منها فقط.
ملف «بطاقات بريدية» يشتمل على عدد كبير من البطاقات المرسلة إلى محمود حماد من قبل الأصدقاء والزملاء من فنانين وأساتذة سوريين وعرب وبعض من أساتذته الأجانب من زياراتهم إلى بلدان متعددة أو من بلدان إقامتهم.
ملف «مقالات» يحتوي ملف المنشورات على الكتابات الصحفية والنقدية المنشورة في الصحف والمجلات العربية وبعض الأخرى الأجنبية، والمتعلقة بمحمود حماد فناناً. ولهذا الملف قيمة كبيرة لأنه يعبّر عن الحركة الثقافية في الفترات ذات الصلة وعن نوعيّة النقد الفني ويشتمل على مقابلات مع فنانين آخرين أو كتابات عنهم. من هنا يتعلق هذا الملف بتاريخ الفن السوري ككل وبمحمود حمّاد بوصفه جزء من هذا الكل، وقد تم تقسيمه حسب سنوات النشر.
ملف «كتابات» وفيه عدد من كتابات محمود حمّاد وترجماته وعدد قليل من مقالاته المنشورة. ولهذا الملف قيمة فكرية كبيرة بالرغم من العدد القليل للوثائق بالمقارنة مع نتاج حمّاد المكتوب. حيث أن هذه الكتابات تمثل فقط ما هو متوفر لدى أصحاب المجموعة.
أما بالنسبة لصور الأعمال الفنية والكتب والكتيبات الفنية فسوف نعمل على إصدارها في مرحلة لاحقة.
وأخيراً، نظراً لحجم هذه المجموعة الأرشيفية قمنا بإنشاء دليل مساعد للتعرف على مفاصل الأرشيف وطريقة تقسميه وكافة محتوياته عبر شجرة تسلسلية وقوائم الوصوف.
نور عسلية و شيرين أتاسي
١٠ نيسان، ٢٠٢٣
يرجى ملاحظة أن هذا الأرشيف محمي بموجب حقوق النشر. لقراءة المزيد حول الشروط والأحكام الرجاء زيارة الرابط التالي: https://www.atassifoundation.com/ar/shrwt-lstkhdm
يمكن للباحثين التواصل معنا من أجل الاطلاع على ما لم ينشر من وثائق، والتي يمكن التعرف عليها عبر الدليل.