يمتلك النحاّت باسل السعدي، الذي كان قد تعلّم النحت ذاتياً، في عمله مع المعدن موهبة لافتة في إضفاء الحيوية والطاقة على هذه المادةالباردة.
في سلسلة «جرح في جلد جاف» لباسل السعدي (المولود عام ١٩٧٠)، مجموعة من المنحوتات المنجزة بين عامي ٢٠٠٤ و٢٠١٠، تتضمن الأشكال المكعبة في داخلها أشكال أخرى عديدة. ويضفى عليها اللون مع طريقة الإنهاء دفء الورق والورق المقوّى. صناديق حساسة وصلبة في الوقت ذاته، مليئة بأجسام وقصص وأشكال لا تعد ولا تحصى. وفي المقابل فإن الورق المقوّى في النهاية ليس صلباً ولا بارداً كما هي حقيقة القطع النهائية المصنوعة من المعدن. فهي في حالتها الخام، أكثر خشونة من أن تُصقل، وأكثر امتلاءً من أن تخلو من المعنى.
العمل الذي نلقي الضوء عليه هنا هو جزءُ من سلسلة من عشر قطع جدارية من الفولاذ المطلي، نُفّذت في دمشق عامي ٢٠١٥ و ٢٠١٦، وعلى بعد خمسمائة متر فقط من خط النار في منطقة جرمانا. تظهر القطع العشرفي هيئات متناسخة، كجزء من استكشاف معمّق للشكل واللون والتجسيم. مع أُطرها مثلثيّة القطع، يبدو البعض منها كتراكيب من السطوح المعدنية الرمادية غير المطلية، بينما تبدو أخرى برّاقة بتراكيب لونية متنوعة، من التدرجات اللونية الأساسية الزاهية إلى السطوح المغطاة ببقع لونية مستديرة. ينتج عن ذلك حيلة مميزة تعاكس – وتخفي في بعض الأحيان - التدرجات اللونية الخام للمادة والشكل. هذا التضاد يتوافق مع التأثيرات المتناقضة داخل الفنان التي يعيدها إلى كون «الشخص في داخلي مأسوي، أما الآخر فهو صبي يحاول استعادة طفولته».
لقد بدأ اهتمام السعدي بالطاقة الكامنة في الأسطح المستوية كأعمال ثلاثية الأبعاد منذ عام ١٩٩٩، وفي أوائل سنوات الألفية الثانية، كان قد بدأ بالعمل مع الحديد الذي جذبَه "بقدراته القاسية والصريحة والعدوانية"، ما أدّى إلى إنتاجه سلسلة الصناديق «جرح في جلد جاف».
وبالطبع، يمكن اعتبار قساوة المعدن بمثابة استعارة لقساوة الوضع السياسي في سوريا، لكن بالنسبة للسعدي فإن هذا الاستخدام يعود إلى سبب آخر وهو تحدي المؤسسة. بمعنى آخر، تمرّده على المواد «النبيلة» الأكثر قبولاً وانتشاراً في الممارسات النحتية السورية، ذلك الثالوث المقدّس من الرخام والخشب والبرونز. يقول السعدي: «أردتُ أن أبتكر أعمالاً جيدة تقنياً، لكن أن تكون مصنوعة من مواد «فقيرة» ذات قدرات عظيمة. لقد كان ذلك متعلقاً بشكل وثيق بكيفية تقييمنا في العالم العربي للعمل الفني».
في هذا العمل على وجه الخصوص، تنتمي مثلثات السعدي التي يتميّز بها، تلك الملتوية والمطويّة، إلى مجموعة لونية يغلب عليها ألوان الأصفر والأخضر والأحمر، متموضعة في المقابل على خلفية كتيمة من الألوان الرمادية مع أثر ضئيل من الأزرق. هذه المثلثات الكالدريّة (نسبة إلى كالدر) الغنية بالألوان والمتضادة مع خلفيّتها، تتخّذ شكل عصافير طائرة، موحية بإحساس بالحركة بالرغم من الإطار القاسي ذي الزوايا الذي يبدو مقيداً لها بشكل حتمي. إنه تحرّك من البعدين نحو التجسيم، من الجدار إلى النحت ومن المواد الأساسية إلى الفكر المتسامي.
يُقام أحدث معرض فردي لباسل السعدي في صالة إيماجيناريا في فلورنسا من ٢٦ تشرين الأول لغاية ١٠ تشرين الثاني من العام الحالي ٢٠١٨.