عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل

 

بيسان الشريف

حائزة على وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي في الفنون والآداب عن عملها الفني متعدد الوسائط المؤثر «ذاكرة نساء»، تستقصي بيسان فيه قصصاً من واقع الحياة وأفكاراً شخصية من خلال الوعي الجماعي. من مواليد باريس، تخرّجت بيسان من جامعة دمشق عام ٢٠٠١م باختصاص الهندسة المعمارية قبل عودتها إلى فرنسا. والداها من الجنسية الفلسطينية، وقد أثرى تراثها المختلط وتجاربها متعددة الثقافات عملها الفني. عملت كمصممة بصرية (سينوغراف) للعروض المسرحية إلى جانب كونها فنانة تجهيز. من خلال التجهيزات الواسعة والتعبيرية التي تستخدم العديد من الوسائط : من الأشياء والنصوص إلى الفيديو و الصوت والصوت البشري، تستكشف الفنانة أسئلة مؤثرة عن الحالة الإنسانية.

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

Bissane Al Charif, I Once Entered a Garden, 2018–2019, installation.

 

حول توجيه المُشاهد زمانياً ومكانياً

" أثّرت علاقتي بالمسرح ووظيفتي كمصممة بصرية فيه على عملي في التجهيز منذ البداية. ابتداءً من نشوء الفكرة وحتى التنفيذ، أفكّر بالمشاهدين وبتفاعلهم مع العمل. ثم أدرس الفضاء الذي سأثبّت العمل داخله لأقوم بجمع العناصر معاً. على سبيل المثال، في عمل «دخلت مرّة في جنينة» (٢٠١٨-٢٠١٩م) ، يختبر المشاهدون في تسع محطات مختلفة تسع قصصٍ منفصلة عن بعضها البعض، حيث يمكن الوصول إلى كل منها كتجربة قائمة بذاتها، لكنها تبقى مترابطة في الوقت نفسه، إذ تجمعها في المكان قصة محورية واحدة تحكي قصّة امرأة فلسطينية وثوب عرسها، امرأة هي اليوم في العقد الثامن من العمر، ولكن في صباها تركت خطيبها وحبها الأول من أجل شخص يعتبر غريباً عنها لأن بوسعه أن يساعد شقيقها الفدائي في الفرار إلى الأردن. تكمن فكرة التضحية والوطن الأم هذه في جوهر عمل «دخلت مرّة في جنينة»، ومع أنني لم أخطط لـ "مسارٍ" محّدد يتنقل فيه المشاهدون، إلا أن هذه القصة المحورية قد شكّلت قلب العمل والتجهيز.  في أعمال أخرى قمت بعناية برسم مسار أو طريق يتبعه المشاهد مثلما حدث في «ذاكرة نساء» (٢٠١٣-٢٠١٤م )، هنا كان الزوار يتبعون نقطة دخول ونقطة خروج. تم توجيه الزوار بين النقطتين ليتتبعوا رحلة النساء، من خلال الهوية الشخصية و النزوح والمنفى والوطن، و من بين عناصر أخرى، يرافق كل منها فيديو وأغراض منزلية شخصية. بالإضافة إلى التركيب المكاني، أردتُ إدخال تركيب زمنيّ، فكان عنوان المحطة الأخيرة قبل الخروج «بعد عشر سنوات». رغبتُ أن يغادر المشاهدون وهم يفكرون في سؤال : أين ستكون كل تلك النساء بعد عقد من الزمن وأين سنكون نحن جميعاً؟

تحدّيات مشاريع التجهيز متعددة اللغات:

" أقوم بتجربة العديد من الوسائط المختلفة للعثور على أكثرها ملاءمة لإيصال ما أريد قوله - سواء كان نصّا مسجّلا أو مؤثرات صوتية على سبيل المثال. غالباً ما تُترجم نصوصي إلى عدة لغات، من العربية إلى الانجليزية والفرنسية. يشكل هذا الأمر تحدّيات كبيرة من الناحية اللوجستية، فهل من الأفضل أن يستمع الجمهور إلى القصص بلغة البلد المستضيف للمعرض؟ أم باللغة العربية حتى يتمكن من التفاعل مع صوت اللغة الأصلية؟ ما الذي يشكل الفهم الأعمق لما أريد قوله لهم؟"

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

Bissane Al Charif, Women's Memories, 2013-2014, installation.

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

​Bissane Al Charif, Sham, 2016–2017, installation.

عن منظور الأطفال:

"جميع أعمالي الفنية لها بذورها في الحياة الواقعية. أتناول أسئلة شخصية وأحاول أن أعرف كيف تتناسب مع صورة أوسع. في أعمال مثل «ذاكرة نساء»، أو عندما قمت بتصميم مشاهد العرض المسرحي «نساء طروادة/ الطرواديات» عام ٢٠١٣م تم طرح الأسئلة من قبل نساء بالغات. في «شام» (٢٠١٧-٢٠١٨م) ، تُروى القصة من وجهة نظر الأولاد، لأنها نبعت من سؤال شخصي عميق : كيف أستطيع أن أصف دمشق لابنتي التي ولدت في فرنسا ولم تذهب أبداً إلى دمشق؟ أجريت مقابلات مع أطفال سوريين وصف كل منهم مكانا" يحبه ويتذكره في دمشق من وجهة نظرهم، أطلقت لهم العنان ليصفوا تلك الأماكن عبر الرسم. تختلف ذكريات الأطفال وملاحظاتهم كثيراً عن ذكريات وملاحظات البالغين.

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

Dino Ahmad Ali, Voyage, 2018, print on canvas, 70 x 70 cm.

دينو أحمد علي

مع اهتمام شديد بالوهم البصري، استكشف دينو أحمد علي منذ فترة طويلة أرضية اللقاء بين المشاهد وأعمال التجهيز، وذهب إلى التوسع في هذا في إطروحة دكتوراه تحت عنوان «أصل المعلومات المرئية ودور المشاهد في التركيب التفاعلي للوهم البصري». من مواليد عام ١٩٨٥م في سوريا، يعيش دينو في باريس منذ عام ٢٠١١م وتتراوح أعماله بين أعمال الخداع البصري ثنائية الأبعاد أحادية اللون ، وتجهيزات ثلاثية الأبعاد. وهذه الأخيرة، عند النظر إليها من زاوية محدّدة، تقفز الخطوط المرسومة على الجدران والأرضيات إلى الحياة مشكّلةَ أشياء ذات حجم مثل النوافير أو كما في سلسلته «حرية الوهم» (٢٠١٥-٢٠١٦م) و «زاوية نظر» (٢٠١٤م)، أقفاص سوداء قاسية. من الصعب الفرار من تلك الأقفاص التي تقيّدنا، حتى لو لم تكن مجسّدة مادياً. استخدم الفنان أيضًا هذه الفكرة، بشكل مؤثر، في عرضه الذي أقيم في معهد العالم العربي عام ٢٠١٤م ضمن المعرض الجماعي«Crise-Action, Artists en creation ».

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

Dino Ahmad Ali, Point 2 vue, 2014, France, installation.

عن كيفية تحوّل المتفرج من ساكن إلى نشِط:

أمام الأعمال التشكيلية مثل الرسم وحتى النحت، يكون المرء متلقّياَ في تجربة المشاهدة. " يتغير دور المشاهد بشكل جذري أمام الأعمال التركيبية ثلاثية الأبعاد، - على سبيل المثال في التجهيزات التفاعلية أو الخدع البصرية، ينتقل المشاهد من الساكن إلى المؤدّي النشِط، لأن أي فعل أو حركة من قِبله يُصبحان جزءاً أصلياً وأساسياً من العمل، ممّا يمنحه أبعاداً جديدة وتجربة مختلفة بالنسبة لكلّ شخص يتفاعل معه، ذلك لأن التجهيزات التفاعلية تتم ضمن مساحة كاملة تحتوي على كل من العمل والمشاهدين في الوقت ذاته".

عيــن النـاظر: التنقل في المسارات المتعرجة بين المُشاهد والعمل - Features - Atassi Foundation

Dino Ahmad Ali, Graffic Art Festival, 2016, France, installation.

المزج بين ثنائي وثلاثي الأبعاد:

" أتحرى الآن عن كيفية إنشاء وهم ثنائي الأبعاد بحيث يمتلك إيحاءً بالعمق والحجم، أي بإنطباع ثلاثي الأبعاد. يعتمد هذا الأمر على تحرّكات المشاهد حول العمل والزوايا التي يشاهده منها. يكمن التحدي في التلاعب بالمنظور لخلق الإحساس بأن العمل متحرك، ممّا ينطوي على خداع لحاسة البصر في الدماغ بطريقة ما ".  

كيف يشكّل عمل التجهيز والمشاهد شراكة:

" يتم إنشاء التجهيزات لتناسب المساحة الموجودة، مع الأخذ بعين الاعتبار مسار المشاهد، وهي لا تكتمل إلا بتفاعل المتلقّي واستجابته السمعية والبصرية لها. لذا، فإن أحد شروط التجهيز التفاعلي هو وجود مكوّن ديناميكي آخر ليتفاعل معه المشاهدين، إذ ينبغي إشراكهم فكريًا عاطفيًا وجسديًا أيضًا. أنا أعتبر حركة الجسم داخل العمل أشبه بحالة حسّية وتعبيرية تعبّر عن مشاعر المشاهدين وإحساسهم بالعمل. يكوّن التجهيز والمشاهد شراكة تخلق بدورها إمكانيات تكوينية لا نهاية لها".