لا يمكن تتبع الحياة الفنية التشكيلة السورية أو العربية دونَ التمعّن في فنّ مروان ، هو الذي كان دوره طليعياً في العالم العربي وفي وطنه المُتَبنى والمتبني ألمانيا على حدٍّ سواء. نادرون هم الفنانون من أصول مهاجرة مثله مِمَن قد اُعترف بقيمة عملهم الفني في بلدان إقامتهم. لقد اُدرج فنه ومنذ الستينات كمرجعٍ هامٍ في ألمانيا وكأحد أهم ممثليّ «التشخيصية الجديدة » في برلين في وقت كانت فيه «الفلوكسس» و «الهابينينغ» طاغية على سوق الفن، حيث كُتب ولأول مرة عن هذه الحركة في كتالوج المعرض الشخصي الأول لمروان بألمانيا عام 1967، و من ثمّ تصاعدت شهرته بعد معرضه الاستعادي عام 1976 في اورانجوري شارلتنبورغ في العاصمة الألمانية وبعد العديد من مشاركاته المحليّة والدوليّة في المعارض الاستعادية التي ضمّت أهم الفنانين الألمان في القرن العشرين وما قبله. غير أنّه في تلك الفترة لم يكن معروفاً على وجه الكفاية في العالم العربي أو حتى في وطنه الأم سوريا. فبالرغم من إقامة معرضه الفردي في المركز الثقافي العربي بدمشق عام 1970 وفي متحف الفن الحديث في بغداد عام 1980 ومشاركته في المعرض الجماعي الأول المؤقت في قسم الفن المعاصر في متحف معهد العالم العربي في باريس عام 1988[1]، لم يأخذ اسم مروان بالتصاعد في العالم العربي إلا بعد أربعة معارض شخصية متزامنة أُقيمت في باريس عام 1993 من أبرز هذه التظاهرات معرض في متحف معهد العالم العربي ومعرض للحفر في المكتبة الوطنية الفرنسية التي اقتنت في حينها كامل المجموعة المعروضة (54 عمل حفر)، ليكون بذلك أول تكريم من نوعه لفنان من أصل عربي.
جاءَ أولّ حضورٍ فنيّ لمروان بعد أكثر من عقدين من معرضه الأول في وطنه الأم، في العام الذي تلا المعارض المذكورة أعلاه (1994) في غاليري أتاسي في دمشق والتي أقامت له ثلاثة معارض فردية في الأعوام اللاحقة. خلال تلك الفترة، منذ منتصف التسعينيات وحتى العقد الأول من الألفينيات، تعاقبت الفعاليات والمعارض والندوات المتعلّقة بفنه على سبيل المثال في دارة الفنون في عمان ومركز خالد السكاكيني الثقافي في رام الله وجامعة بير زيت حيث قدّم إليهم أربعة و سبعين محفورة كشهادة منه على تضامنه مع الشعب الفلسطيني ولقناعته بالرسالة الفنية. كما أنه قد ترك بصفته بروفيسوراً في كلية الفنون الجميلة في برلين الغربية منذ العام 1977 وحتى 2002، ومؤسساً لأكاديمية دارة الفنون الصيفيّة في عمان عام 1999، والتي أتاحت الفرصة للعديد من الفنانين العرب للتدرّب والعمل تحت إشرافه حتى عام 2003، بصمةَ بالغة الأهمية على جيل كامل من الفنانين الشباب الغربي والعربي.
وجهٌ... مرآة الذات والآخر
يُعتبر العمل على الوجه وتصويره على مدار أكثر من نصف قرن من قبل مروان مسألة مشوّقة جداً، فعمله هو من ناحية ذو طابع معاصر ومن ناحية أخرى يدخل في إطار تاريخي مغرق بالقدم. لقد بدأ مفهوم الصورة في الأصل مع تصوير الوجه من خلال الحاجة إلى استدعائها لتجعل الغائب حاضراً، ففن تصوير البورتريه قد بدأ بوظيفة تذكارية جنائزية، وثم سحرية ميتافيزيقية وقدسية[2]. يمكننا اليوم تتبع كافة المدارس الأوربية من خلال تطور هذا النوع الفني منذ عصر النهضة وحتى اليوم، وبالمقابل لم يكن تصوير الوجه وبالأخص الصورة الذاتية «الأتوبورتريه» موضوعاً محورياً وجدياً لأيِّ من معاصريه العرب على امتداد تاريخ الفن العربي الحديث[3]، بينما نستطيع في يومنا هذا استقراء تأثير مروان على وفرة الأعمال المعاصرة التي تتناول هذا الموضوع من قبل الجيل العربي الشاب.
يندر أن قام مروان باستخدام كلمة «بورتريه» للتعريف عن فنّه، فبالنسبة له يجب استخدام كلمة «وجه» للوحاته الأولى و«رأس» للوحاته المنجزة بعد الثمانينات. ماذا يعني هذا التمييز بين المفردتين بالنسبة إليه؟ عادةً، لا نعتمد مفردة وجه بالحديث عن الصورة الشخصية المرسومة وإنما نتكلم عن بورتريه[4]، بينما يشير مصطلح رأس إلى نوع فني في مشاغل العمل الفنية. إذاً، ما المعنى الذي أعطاه مروان للمصطلحين الوجه والرأس في الرسم؟ ما هي دلالات هذا الموضوع المتخّفي تارة والظاهر تارة أخرى؟ ما هي الاعتبارات التي يمكن إقامتها بالنظر إلى بلده الأصل والمُتبنى؟ ولماذا هذا التكرار والإصرار على رسم رأس؟ يشهد تكرار الرؤوس والذي يشكل المحور الأساسي في قصته الفنية عن تفرد حقيقي وذلك من خلال التصوير وبلا كلل سواء كتيمة أو كصورة ذهنية، فبالنسبة إلى مروان إن هذا التكرار آتٍ من ارثه الحضاري في الشرق الذي فيه صفة التمعّن والتأمل والاكتشاف وكشف أشياء جديدة، حتى إن لم تبدُ كذلك للوهلة الأولى، لا يتّخذ التكرار معناه السلبي وإنما المعنى الروحي والصوفي. فهل من الممكن ربط هذا التكرار مع منطق الهرقليطسية أو البحث «المستحيل» كما هو لدى الفنان جياكومتي الذي لم يتوقف عن الحديث عن استحالة رسم وفهم الوجه فهماً كاملاً؟ هل ينبغي قراءة عمل مروان بأنه صدى لعملية فكرية وتصويرية بحتة أم لإلهام وارثٍ آت من الشرق؟[5] إن الأسئلة والقضايا في فن مروان عديدة، ومن الضروري لفهمها الغوص في تفاصيله الحسية والنفسية والتطرق لمَعاريج الطفولة ومسقط الرأس ومُنى الأيام والصُحُبات.
«الختمية» وحارات دمشق
«ذكرت في كتاب (الرحلة) أن أمي سامية سألتني وكنت طفلاً قولها: يرضى عليك يا مروان، أرسم لفايزة خانم مزهرية مع باقة ورد. فعلت ذلك ورسمت المزهرية مع الباقة بالمائي ثم مشيت بعدها مع أمي في حارات دمشق لزيارة الخانم مع المزهرية والورود. ذكرى ضبابية بعيدة قريبة ولكنها الزهرة الأولى في الطريق البعيدة البعيدة مع الماء واللون على فسحات الورق الحنون المنتَظِر أنفاس الفنان الكريمة كما تنتظر الأنثى عطاء الحبيب[6]».
من الخارج، الداخل مستتر تماماً، فالتناقض صارخ بين سماكة الجدران الخارجية العمياء التي تطل على الأزقة الضيقة وروعة وفسحة الفناء الداخلي، نافذة مفتوحة على السماء. فهذا البيت العربي التقليدي الشامي الواقع في دمشق القديمة مسقط رأسه، ليس فقط تجسيداً للمأوى ولكونه الأول وإنما تجسيداً لأحلامه وللانتقال إلى أرض الطفولة اللا متحركة والعالقة في الذاكرة. ففي «جماليات» هذا المكان القائم بين الطفولة والذكرى والخيال، والمحاذي لنهر بردى وللغوطة، حين ولد مروان قصاب باشي في 31 كانون ثاني 1934، كانت معالم هذه المدينة مغايرة كلياَ لما هي عليها اليوم، عالمٌ فاتنُ كان يملؤه السحر، يكفي الخروج من العاصمة قليلاً حتى يصل إلى الغوطة. وثم يتسع المدى والأفق في أراضي القاسمية والبادية حيث «الصفاء البدوي» الذي يمثل عالماً مشوقاً، وسحراً استثنائياً مختلفاً كامل الاختلاف عن صخب المدينة. هذه التفاصيل المكانية والحسية التي تبدأ بالبيت ولونه وضوئه وزرعه وفتحته على السماء وتتتابع مع الدفء والحكايا المشوّقة المحكيّة من قبل العائلة، قد طبعت إدراكه الأول وفتحت له عالماً سيظل يسكنه ويلازمه دائماً، محرّكاً ظاهراً أو خفياًّ يرافق إبداعه الفني.
لقاء الكاتب والرسّام والسنوات المبكرة
عند شروع عبد الرحمن منيف بمشروع كتابة أول دراسة موسّعة باللغة العربية عن مروان[7]، أرسلَ للفنان مجموعة رسائل تتضمن العديد من الأسئلة، كأجوبة عنها أرسل له مروان سبعة أشرطة صوتية يتحدث فيها عن حياته وعن رؤيته للفن، بعد سماعه لها، كتب عبد الرحمن في رسالة، وكان ذلك قبل أن يبدأ مروان بكتابة مذكراته:
«الكم الشعري في التسجيل هائل، وبعد أن سمعته أقول لنفسي: هل لا تزال لدى مروان الرغبة أو الإمكانية لأن يقول شعراً وشعراً خالصاً؟ الفكرة جديرة بالتأمّل ويجب ألّا تستبعد بالكامل أو رأساً. يمكن أن تخطّ يومياً بضع كلمات وقد توشحها بشكل ما، وبعدها قد تنتهي الأمور إلى شيء جميل وخاص؟[8]».
لعبت صداقة مروان مع الكاتب الكبير عبد الرحمن منيف دوراً مهما في حياته. لقد اتقد شغف الفنان لكتابة مذكراته بعد عمر الخامسة والستين بفضل المراسلات التي دامت بين الرسام والكاتب بين الأعوام 1992 و 2004. هي التي نشرت عام 2012 تحت عنوان «في أدب الصداقة»[9]. يعود اللقاء الأول بينهما إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي في مرسم مروان الواقع في شارع بغداد بدمشق حيث اعتاد أصدقاؤه اللقاء، ومن بين هؤلاء عبد القادر أرناؤوط ونسيم السفرجلاتي وقتيبة الشهابي وعدنان بغجاتي والإخوة نعيم وأدهم وصدقي اسماعيل. كانت تلك سنوات الأمل العربي في الوحدة والنهضة والمسيرة في التقدم والإبداع، وكان همّهم الفن إلى جانب الكلمة والسياسة وحمل آمال الوطن واخذ الدور اللازم في عالم مثالي حر.
بدأ مروان في سن مبكرة بالعرض مع رواد الفن الحديث في سورية وقد لاقى عمله ومنذ البدايات الكثير من النقد والتشجيع، فأعماله الدمشقية الأولى تنم عن معرفة ومهارة في استخدام اللون والخط ومعالجة اللوحة، ونستطيع استقراء بعض التأثيرات من المدرسة الانطباعية والتعبيرية في أعماله المنجزة بين 1947 و1957. خلال السنتين اللتين سبقتا سفره، حمل فنه طابعاً بروح عربية مستمدة عناصرها من التراث والحياة العربية[10]. تعود أوّل مشاركة له في المعارض الرسمية المنظّمة وقتئذ في المتحف الوطني بدمشق إلى عام 1952، ولقد حازت منحوتته على الجائزة الأولى للنحت في معرض الربيع عام 1956. في تلك الأثناء لم تكن كلية الفنون الجميلة في سورية قد أُنشئت بعد، التحق بكلية الآداب بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وبذلك غذّى شغفه بالشعر والنثر.
الرحلة نحو الشمال... برلين
على خلاف الكثيرين من أبناء جيله من رواد الفن التشكيلي في الوطن العربي الذين سافروا إلى الغرب وكانوا يقصدون روما أو باريس لدراسة الفن، كانت برلين مصيره ففي البداية كان حلمه الدراسة في باريس لكن جاءت معركة قناة السويس وقطعت العلاقات الدبلوماسية مع فرنسا. كانت ميونيخ المحطة الأولى عام 1957، حيث درس وأنهى فصلاً دراسياً كاملاً في محترف الفنان أرنست غيتلنجر في كلية الفنون الجميلة في ميونيخ[11]. ثم وعن طريق أحد أصدقائه ذهب إلى برلين والتحق في العام والفصل التالي بمحترف هان ترير في كلية الفنون الجميلة في برلين «الغربية». إذ بعد ثلاث سنوات من وصولة بُني الجدار الذي قسّم المدينة إلى منطقتين شرقية وغربية (من عام 1961 حتى 1989). لقد كانت ألمانيا في حينها في ذروة الحرب الباردة، وخلال هذه الحرب تم تعزيز تقسيم برلين مع تأسيس جمهورية ألمانيا الاتحادية وجمهورية ألمانيا الديمقراطية. بدت برلين حين وصوله شبه جزيرة معزولة، مهدمة، آثار الحرب عليها فاضحة، يخيم عليها جو من التهديد. كادت عزلته في هذه المدينة أن تكون مطلقة، انقطع أثنائها كلياً عن عالمه الأم الدمشقي. لقد سمح مناخها الخاص جداً لمروان بالغوص في عالمه، وخلق له بيئة تناسب منهجيته في العمل. أقام في برلين الغربية، في وقت هجرها عدد كبير من سكانها الأصليين بحثاً عن حياة أفضل، جذبت هذه المدينة العديد من الفنانين والمفكرين من مدن وبلدان مختلفة حيث اختاروها كمكان لهم باحثين عن مضامين جديدة للحياة وللحرية بعد الحرب.
في رسالة إلى نعيم إسماعيل كتب مروان عن بداية سنواته البرلينية: «لم أتحمس حتى الآن إلى شيء عملته... ألا توافقني أن عامين أو ثلاثة أعوام من التجربة ليست بالوقت الطويل، بل ليست بالوقت الكافي لكي يهتدي الإنسان إلى ما يريد؟ لا وجود هنا لنوافذ كالتي في حارتنا، ولا وجود لأعشاب تنبت بين أحجار الطريق. فهل من الصحيح أن استمر في رسم أحلام الشبابيك والأخصاص وزهرات الشام ؟ لقد بدأت كمن يقامر... كمن ألقى نفسه في البحر[12]».
لكن من يركب البحر لا يخشى من الغرق... وكذلك مروان الذي أحرق جميع أعماله وعلى مدار ثلاثة أيام بعد إتمام دراسته الجامعية في برلين، لذلك لا نجد من فترة الدراسة إلا أعمال نادرة نجت من النار، إذ شعر بالفراغ لما كان يتابعه في الرسم والتصوير، حيث تأثر عمله في هذه الأثناء بما كان سائدا في السياق السياسي الثقافي الغربي بتيارات التجريد الّلا شكلي الألماني والانطباعية التجريدية الأمريكية والتجريدية الغنائية الفرنسية والبقعية، حيث كان يُنظر إلى التجريد أنذاك على أنه «لغة الحرية» في ألمانيا الغربية والمعسكر الرأسمالي الغربي، بينما تم استنكاره في ألمانيا الشرقية ودول المعسكر الاشتراكي باعتباره «شكلية برجوازية» تلك التي اتبعت الواقعية الاشتراكية كنمط سائد. تُظهر رسوماته في فترة دراسته وتحت تأثير أستاذه هان ترير محاولاته التجريدية البقعية، وذلك عن طريق عفوية وديناميكية خط الرسم غير الخاضع للرقابة، وإطلاق العنان للّا وعي، وثم التواتر اللوني بين الحار والبارد في اللمسات وتموضعها على العمل. إن لا شيئيّة اللوحة وفراغ محتواها من موضوع، أشعره بالفراغ و بإفقار التجربة ونقص المحسوس تجاه اللوحة التجريدية وعبثيّة المتابعة فيها. وهنا بدأ بحثاً داخليا بالعودة إلى نفسه والى أحلامه والنظر إلى الأشياء التي احتفظ بها بداخله، فأتت مفردات من خلال اهتماماته الشعرية والأدبية وخصوصاً من خلال التزامه السياسي. إذ تشبع مروان بالسياسة وكرّس لها الكثير من وقته، لقد انتسب إلى حزب البعث عام 1954 أو 1955، وتابع التزامه السياسي بعد وصوله إلى ألمانيا: كان ممثلاً للحزب في ألمانيا والنمسا وسويسرا، واستمر بذلك حتى عام 1962.
إن الشعور بقصور اللوحة التجريدية لم يكن آنذاك مقتصرا على مروان فزملائه بالجامعة خاصة أويغن شونبك وغيورغ بازليتز قد اختبروا حالة مماثلة وكان مرجعهما أدبياً وفلسفياً رافضاً للمنطق التجاري السائد. إذ نشروا عام 1961 أول «بيان شيطاني» حمل عنوان أحد أبيات أنطونان آرتو «الشعراء يرفعون أيديهم دائماً »، في تلك الأثناء كانت كتابات آرتو بمثابة «إنجيل روحي»[13] لقلة من الشباب الألماني، وفي العام الذي تلاه نشروا بيانهم الثاني. لقد كان شعورهم مثقلاً بأعباء التاريخ الألماني ومشبع برفض شبابيّ للآباء والشعور بضرورة الالتزام بقضية التغيير في المجتمع الألماني. وكان هنا بطبيعة الحال مرجعية مروان وتاريخه مختلفان عن الفنانَين المذكوريَن، لكنه شاركهما النظرة الكليّة والجمعيّة الجريحة نحو العالم ذات المطلب الشعري والفلسفي. وعلى الرغم من بعض التقاطعات بين التشخيصات «الرثائية» معهما، من مشاهد صلب أو كائنات معذّبة أو «أبطال» جاثمين بشكل منفرد في فضاء أعمالهم، إلّا أن عمل مروان وبعيداً عن الشكل الظاهري الأول قد تميز عنهم وعمّا كان سائداً في حينها، فهناك في تشخيصات مروان الازدواجية بين الكشف والتستّر وهي ذاهبة في الخصوصية وتحمل طابعاً حميمياً مستوحى من أحلامه وحياته الخاصة.
لعبت الأجواء الفنية في كلية الفنون الجميلة في برلين الغربية دوراً مهماً، فلقد أسس الطلاب مجموعة أطلقوا عليها اسم الشارع الذي يعيشون فيه35 Großgörschen وكان بذلك أول معرض يديره فنان ويروج لعمله في برلين الغربية. كانت اللوحة آنذاك تحت زخم حركة جديدة كُتب عنها ولأول مرّة في كتاب المعرض الأول لمروان بألمانيا عام 1967 في غاليري شبرنغر من قبل ابراهارد روترز حيث ذكر بأن برلين هي المركز لشكل جديد من أشكال التعبير التصويري وأن هذا التيار الجديد لا يحمل اسما بعد و سماه ب «الرثائيات الجديدة» أو «التكوينات الرثائية»[14]، وهو التيار الطليعي ذاته الذي سيأخذ اسما لاحقا ب «التشخيصية الجديدة في الستينات ببرلين» و «التعبيرية الجديدة »، والذي يكون مروان أحد أهم ممثليه، مساهماً بذلك في إرساء أسُس فن واقعي في تاريخ الفن الحديث في برلين.
نظرة لعمله حسب تسلسل زمني
السيّاب والرزّاز
ظهرت رسومات الوجوه الأولى في عالم مروان الفنيّ منذ عام 1964 مع التركيز على تمثيل شخصيتين بارزتين من العالم الفكري العربي هما بدر شاكر السيّاب ومنيف الرزاز. الأول شاعر معاصر، والثاني مفكر سياسي وكلاهما تعرضا للاضطهاد بسبب أفكارهما السياسية التقدمية. مثّل مروان هاتين الشخصيتين اللتين تعرضتا للتعذيب والإقصاء بسبب التزاماتهما السياسية، وذلك من خلال عشرات الأعمال على الورق والعديد من اللوحات الزيتية حيث ارتبط الوجه الذي يمثل ملامحهما بشظايا من الجسد كاليدّ أو مصحوب بكتلة عضوية أو قطعة لحم تشبه القفص الصدري. في لوحاتٍ أخرى رسم رأساً موضوعاً على قاعدة خشبية أو حديدية تشبه المقصلة، مشيراً إلى مأساة مصيرهما، وهذه كانت طريقته في المشاركة السياسية وتجسيداً لهاجسه بالحلم العربي. بعد هذه المجموعة التي تصوّر السيّاب والرزاز وعلى الفور سيصبح وجه الفنان ذاته موضوعاً للعمل، وذلك تفادياً لإمكانية حدوث سوء فهم من قبل المتلقي للبحث عن هويّة شخصية محددة ونسيان غرض العمل الفني ومصداقيته. وهكذا جاءت شخوصه بأجساد منعزلة ضمن فراغ العمل، وتلك الأجساد لا تخلو أحيانا من مضامين إيمائية أو من إشارات عبثية، أحيانا جنسية، لكن دون الوقوع في النمط الكاريكاتوري.
الوجوه المستترة، نحو حداثة عربية
لابد من التمعن في عشرات الأعمال التي تظهر أجساداً ذات الوجوه المستترة خلف الكوفية، الحطّة، الخمار، الحجاب، الوشاح أو ببساطة قطعة قماش مربع جاءت لتغطية الرأس. فتلك الأعمال التي تجمع بين التقليدي والمعاصر، بين المكشوف والمستتر، أتت في فترة حرجة من التاريخ العربي بعد حرب الأيام الستة عام 1967. وجاءت بارتباط مباشر مع فكرة الفدائي ذلك الذي يهب نفسه في سبيل القضية «فهو ليس القضية وإنما جزءا لا يتجزأ منها[15]»، وأما الوجوه المستترة تماماً فهي كناية عن فدائيي فلسطين. تعطي تلك الأعمال ذات الخصوصية التصويرية الملتزمة الانطباع بأنها ترفض الاتصال بالعالم الخارجي، ثم انه يبدو كما لو أن الشخص لم يعد موجوداً ومجهولاً، مما يوحي بفقدان كل فردانية. نُشرت عدّة صور لأطفال فلسطينيين تتراوح أعمارهم بين ثلاثة عشر وخمسة عشر عاماً في الصحف الألمانية في نهاية الستينات. جاء عمله «الأطفال الثلاثة. أطفال فلسطين» عام 1970 وما تلاه من رسومات نرى فيها أول ظهور لمفهوم الغطاء أو الستار وذلك بعد مشاهدته لتلك الصور، وهنا غرضه ليس التعبير المباشر أو خدمة القضية الفلسطينية، وإنما إشارة لوجود المأساة. يقول مروان: «جاء الحوار المنولوج الداخلي عن هؤلاء الأطفال الثلاثة، كيف ارسم لوحة وليس صورة أبطال وليس صورة تخليد (...) وذلك ليس برسم جرائدي وليس برسم وطني[16]».
في الواقع، من خلال التحليل المعمق وتفحّص الروابط لمجموعة كبيرة من الأعمال المنفذة في تلك الفترة وما جاء بعدها، وبالنظر إلى الإنتاج الفني لمعاصري مروان في البلدان العربية ولإنتاج الشباب فيما بعد (خاصة في مطلع القرن الحالي)، يمكننا القول بأن عمل مروان اتخذ خطوة نحو حداثة عربية معاصرة عبر أعماله التي تغطي الوجوه. عندما تطرق لهذه الموضوعات في بداية السبعينات كان هناك الكثير من الغموض حول عمله في ألمانيا، صرّح يورن ميركرت (مدير متحف الفن الحديث في برلين سابقا ويعتبر خبيراً مهماً في السيرة الفنية لمروان منذ السبعينات) :
«كان هناك الكثير من عدم الفهم لعمل مروان في برلين وألمانيا. على سبيل المثال تغطية الرؤوس ليس بما يسمى بالحجاب وإنما بالنسيج، لم نكن نعرف ماذا يعني، ولم نقم قط بالربط بين هذه الصور والانتفاضة. لقد كان هناك الكثير من المجهول حول عمله، وعلى الرغم من أنني تحدثت مطولا مع مروان حول هذا الموضوع إلا انه كان لديه الكثير من التحفظ، لقد استغرق الأمر وقتا طويلا وحتى اتجاهي لاكتشاف كناية هذه الأعمال التي نرى الآن أمامنا الدليل. لم يكن لدينا أي علم بأن كلمة الغياب تعني الموت وفقدان شخص ما[17]».
إن تلك اللوحات المبكرة والتي تتعلق بمفهوم الستار، كانت الانطلاقة الأولى لأفكار أتت فيما بعد مرتبطةً بفكرة القناع والغياب والصديق. إن مفاهيم الظهور والغياب المتجذّرة في فن مروان لم تأت عن قصد وإنما جاءت بالتأمل والرؤيا المختلفة والمتجددة دائماً لذات العمل.
من الوجه إلى الرأس
إذا نظرنا بالتتالي وبدراسة زمنية متسلسله لعمله خلال مرحلة التشخيصات، سنلاحظ كيف أن عين الفنان مثلها مثل كاميرا السينمائي تقترب على مهل من وجه الجسد الذي صوّره وحتى يصبح الوجه ذاته هو الموضوع الوحيد في اللوحة. وهنا لا يتم تقديم الوجه في اللوحة كصورة ذاتية ناجمة عن نرجسية في الرؤية، وإنما كاستعارة، كمفهوم فني. إن الوجه هو الذريعة الأولى للرسم ومن خلاله يتم فهم العالم. إن استخدم الصورة الذاتية ما هي إلّا وسيلة للوصول إلى الجماعة، فهي توصل هموم الذات إلى مصاف الهم العام، وكأنه من خلال وجهه يمثل العالم بأسره.
وهنا نعود إلى المرحلتين الأساسيتين اللتين قد عرفتهما لوحته هما «الوجه» ثم «الرأس». بدأت الأولى مع الوجوه المنظرية[ التي أتى معظمها بأحجامٍ عرضية أفقية (وهذه الأحجام تُستخدم عادة لرسم المناظر الطبيعية) حيث اتّخذ الوجه بوصفه منظراً طبيعياً مجموعة لونية مستمدة من لون الأرض. الوجه كوكب، فيه نوع من الشاعرية. رويداً رويداً مالت هذه الوجوه إلى اليمين أو اليسار حاملة بعداً مسرحياً وحساًّ درامياً. ثم اقترب مروان أكثر فأكثر من الوجه ليغزو الوجه مساحة اللوحة بالكامل، كما لو أن المسافة قد انعدمت تماما حتى استنزاف الموضوع. وهنا توقف مروان عن رسم الوجوه وأتت مرحلة الطبيعة الصامتة (الساكنة) والماريونيت (الدمية) أو الجسد كشيء. لقد تعامل مع تيمة الدمية بطريقة مماثلة لأشخاصه، فمثلما اقترب من الوجه، بعد عدة سنوات من العمل على موضوع الدمية بوضعيات مختلفة بدأ الاقتراب شيئا فشيئا منها حتى احتل رأسها فضاء اللوحة بالكامل وكان ذلك تحديدا في عام 1983. وعندئذ وبعد هذا العمل الأخير انتقل الفنان إلى مرحلة الرؤوس. يعود الوجه إلى لوحته إذاً بعد أن أصبح رأساً، بعد أن صار (شيئاً)، وأصبح مشروعا «للكل»، بعد أن تجرّد من ملامحه وأصبحت اللغة التعبيرية التصويرية أكثر حرية وهي الطاغية وأساس لوحته. لقد استمرت هذه الرؤوس غالباِ بشكل عامودي مع إحساس يوحي بعدم النفاذ من التنويعات البصرية حتى غيابه عنا عام 2016. إن قصة الوجوه والرؤوس المروانيّة مرتبطين بسيرته الذاتية وهي مرآة للزمن الذي عاشه.
يولد الوجه فيما يموت في وجه آخر
يتعامل الفنان بلا كلل مع تيمتي الوجه والرأس مع إحساسه بعدم استنفاذهما، فحسبما كتبه على عمل حفر الذي يعود إلى مجموعة المتتاليات 99 «يولد الوجه فيما يموت في وجه آخر». عندما يرسم الرسام وجهًا على آخر، يولد وجه جديد ويغيب الوجه المغطى. تحتوي هذه الجملة الصغيرة على نهجه، فالقراءة المتعمقة لعمله بفضل كتاباته وكذلك تحليل الأعمال المنجزة على الورق، تكشف لنا عن جوانب خفية وتحولات وقصص شخصية. إن مشاهدة أو (قراءة) الرؤوس تتم من خلال التعمق في تفاصيل اللوحة، وأحيانا من خلال مشاهدة المخفي منها من خلال التوثيق الفوتوغرافي الذي سجله مروان أحياناً والذي نستطيع من خلاله رؤية مراحل العمل، وأيضا من خلال قراءة مذكراته المنشورة اليوم تحت عنوان «أيام الرماد والرمّان مذكرات ويوميات»[18]. حيث تكشف لنا نصوصه عن تجربة الرسام اليومية للوجه. من خلال تلك الكتابات نستطيع التوغل في عالم الرؤوس المروانية التي تصبح مكان للتحولات والاستعارات الأدبية، رغم إصرار الفنان على المفردات التشكيلية والابتعاد عن الحديث الأدبي الوصفي الكتابي على حساب الفن. على الرغم من رفضه لإعطاء عناوين لأعماله أو البقاء الأكثر حيادية لكي لا يوجه المتلقي نحو معنى أدبي وينسى بذلك غرض اللوحة ذاتها، فإننا لدى قراءة تلك الوثائق سنكتشف مصدراً شعرياً لا نهائي يختبئ خلف الصورة المرسومة. تتكاثر الاستعارات في كتاباته، وبالتالي يصبح الرأس طائراً، صلاة، عُشّاً، أزرقاً، جداراً، غيمة، أرضاً، قناعاً، مجنحاً، سجادة عجمية...
«تنبسط اللوحة، سجادة عجمية، مع انبساط الجسد الشبق على القماش وتنهل الأشكال من نوافذ الشوق المغمور
تسير الأشكال على الكتان، سجادة عجمية حاملة انتشارات الجسد مع الشوق المغمور ولهفة الوصول
جسدي سجادة صلاة، نهر يتدفق على الكتان ليعطي أحلام الشوق فُسحاتها على الكتان
من نفسي وجسدي يتدفق اللون، سجادة صلاة، محراب، على فسحات طفولتي وأحلامها[19]»
ليس من قبيل المصادفة أن الرؤوس المروانيّة تواجه وتتوجه وبشكل مباشر ودائم للناظر، فلا رياء ولا خداع ولا رومانسية في الحركة أو النظرة. فكل لقاء مع الآخر يبدأ من خلال الوجه عبر علاقة تبادلية بالرؤية والحوار، والوجه مُستقبل كل شيء وفيه الهوية ومن خلاله إننا نُعرف ونُميز ونُسمى، وهو يحمل الملامح الأساسية المميزة والمكان الأساسي الجوهري للتعرف على شخصية وكشف هوية لشخص ما... إلا أنها تكاد تغيب الملامح كليا عن وجوه ورؤوس مروان وفي الكثير من الأعمال وكأننا أمام لقاء مفقود بين اللوحة والمتفرج وبين الرسام واللوحة.
استولى الوجه ثم الرأس على اللوحة المروانيّة التي أصبحت هي بدورها وجها حقيقياً وستاراً، ومشاهد عمله مدعو لتأمل ما قاله الفيلسوف ليفيناسبأن «أي لقاء حقيقي يتم من خلال محو لملامح الوجه[20]». قد يتوقف معنى كلمة الوجه عند عتبة الرؤية بمعناها الظاهري الخارجي، وقد يتعدد ويشير إلى طبيعته الداخلية الجوهرية التي تتعلق بالاستقبال واللقاء والهوية، فيه «الضيافة» والترحيب هو انفتاح الذات[21].
أمام لوحة الرأس عند مروان نحن مدعوون إلى التمعن في الوجوه المرسومة والمطمورة تحت طبقات اللون والزمن والتصوير المتخفية وراء رأسٍ واحد، فالرسام يحثّنا على الذهاب بعيدا في الرؤية على عدم التوقف عند المرحلة الأولى من الإبصار أو «الوهم»، فجميع الوجوه والموجودة بذات العمل هي متداخلة، تختفي كما تظهر وراء اللمسات الصغيرة المتعاقبةـ إن الوجه الأخير الظاهر لهو الوجه الفسيفسائي للبشرية جمعاء و فيه تتكاثر الألوان واللمسات والأوجه وتشكل هذه «نحن» التي نواجهها وتلح علينا بإصرار[22].
جدليّة المادة الفنية والخيال
تُظهر العناصر التي استعرضناها صرامة مروان إزاء موضوعه وبحثه الفني وأحقيته وأخلاقيّته كهدف منشود، وذلك ابتداءً من مكانة الاسكتش والرسم على الورق والمائية والحفر على النحاس، مثله مثل كبار الفنانين القدماء بمراحل بحثهم عن الصورة وتقديمها بمختلف الوسائط. لقد استغرقه وجه الإنسان طويلاً، ورغم تجاربه التصويرية، واجهته وفي كل مرة مناعة المادة الفنية. لقد كان صراعه مستديماً مع رحلة الرسم وفكرة الجدار، في إشارة مجازية إلى الحاجز بين الحياة والموت، حيث أن الشعور بالزمن لديه مرتبط بشكل مفجع بالموت وحقيقته. إن فكرة الجدار قد بدأت مع رسم رأس دام العمل عليه لعدة أشهر ومن خلاله تبدّى لمروان أنه سيزيف ذلك البطل العبثي مع صخرته. مروان الذي يرسم ثم يرسم على ما قد رسمه، ويطمس لوحته باستمرار، ظهور وغياب ومن ثم ظهور جديد. إن الرؤوس لديه في حالة تكرار دائم، بحالة دوران في زمن متحرك.
ولدت الصور في عالم مروان من تلك العلاقة الحميمة والسرية التي احتفظ بها من سورية وتخصّبت خلال حياته في ألمانيا، تلك التي أضفت ثراءً وعمقاً على فنّه وخلقت ديناميكيات الحوار التشكيلي. عالمان غذّيا فنه، الأول هو بيته التقليدي الدمشقي والذي يستعيد من خلاله دمشق وأبوابها الخفية التي طبعت طفولته وشبابه الأول وعلاقته بنفسه والعالم، إنه عالمٌ مفقود ورائع الذي يطارد ذاكرته، وهو مهد لخيالاته والذي سيرافقه دائماً كمنبعاً سرياً للإبداع. وأما العالم الثاني المدعو برلين، مرآة حلمه، شرنقة حامية، فيبدأ من قصة وصوله للتعايش مع هذه المدينة المختلفة كليّاِ عن مسقط رأسه، هي الأخرى منبع سريّ للإبداع. يأتي مروان وفنّه من هذه الثقافة المهجّنة بين برلين ودمشق، ويمكن للمشاهد ملاحظة تطور موضوعه من الشكل الوجه إلى الرأس العديم الشكل والمتلاشي في المادة التصويريّة، وكيف أن هذه الجدلية قد وضعت فنّه في قلب الفن العالمي المعاصر. لقد شكّل إيمانه المطلق بالفن و تفاعل الحلم مع الذاكرة والجغرافيا والمكان جوهر إنتاجه الفني، كان الرسم بالنسبة له عالمه وطريقته الوجودية.
د. نغم حديفة
باريس، تشرين ثاني 2022
ملاحظة: كل الصور منشورة بإذن من عائلة الفنان
الحواشي
(1) عُرضت أعماله إلى جانب أعمال الفنانين ضياء العزاوي (العراق) ورفيق الكامل (تونس) ومحمد القاسمي (المغرب)، بهدف مقاربة أولى للوضع التشكيلي العربي. شاهد: أربعة فنانين عرب (العرض الأول) العزاوي، الكامل، القاسمي، مروان، باريس، معهد العالم العربي، 1988.
(2) انظر إلى نص نغم حديفة "الوجه والجسد في الفن السوري"، الذي نُشر ضمن كتالوج معرض سورية نحو الضوء، مؤسسة اتاسي، 2017، ص 117ـ 118
(3) لقد مارس المصورون العرب البورتريه وتكاثرت حضوره على جدران القصور والبيوت البرجوازية في سورية ولبنان ومصر وفلسطين والعراق لكنه لم يكن كما عند مروان موضوعا أحاديا وأساسيا في إنتاجهم الفني، للتوسع عن هذا الموضوع شاهد: حنان قصاب حسن، "البورتريه في الثقافة العربية"، في باحثات: الصورة وتجلياتها البصرية في الثقافة العربية، بيروت، المركز الثقافي العربي، 2004
(4) عندما نتصفح قاموس اللغة العربية فلن نجد كلمة محددة تعادل البورتريه في اللغة العربية بمعنى تصوير (رسم) وجه شخص بالألوان، وإنما نستخدم كلمة "صورة" فنقول إن الفنان رسم صورة شخصية لإنسان ما. إن كلمة بورتريه هي من أصل لاتيني ولها معنى محدد ويميّز بوضوح هذا النوع الفني والتي تعني تبلور شكل شخص أو شكل الشيء الذي به سنتعرف عليه بأي وقتٍ كان. استمدت اللغة العربية المتعلقة بالفن العديد من المفردات من الأصل الأوربي، فاليوم تستخدم مدارس الفنون العربية تلك المصطلحات، وكذلك الحال بالنسبة لكلمة اتوبورتريه والتي تعني رسم ذاتي أو صورة ذاتية شخصية منجزة من قبل الفنان نفسه. فتختلط هنا مفردة الصورة بمعناها الفوتوغرافي وكلمة الرسام "المصوّر" المصطلح الذي أتى حرفيا من الشخص الذي يصنع الصور. إن كلمة "صورة" في اللغة العربية تستحق بأن تكون موضوعا لدراسات متعددة يتم تناولها بطريقة دقيقة.
(5) Nagham Hodaifa, Marwan face à face, Berne, Peter Lang, coll. « Études culturelles et sociales sur le Moyen-Orient », 2018, p. 15-16, sq.
(6) مروان قصاب باشي في رسالة غير منشورة موجّهة إلى نغم حديفة بتاريخ 18 آب 2007
(7) عبد الرحمن منيف، رحلة الحياة والفن، دمشق ـ برلين، دمشق، مكتبة الأسد، 1996
(8) عبد الرحمن منيف ومروان قصاب باشي، في أدب الصداقة، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ دار التنوير، 2012، ص48
(9) على الرغم من أن مروان قد عاش في ألمانيا لمدة 59 عاما، إلا انه لم يكتب يومياته باللغة الألمانية ولم "يخلط" اللغات كما هو الحال عند الكثير من المغتربين، كان يكتب دائما بالعربية.
(10) إن مفهوم الأصالة كان شائعا لدى عدد كبير من أبناء الوطن العربي، فكان هناك بحث ورغبة بالنهوض بفن عربي مستمد من خلال الرجوع إلى التراث والتقاليد الفلكلورية المحلية واستخدام الحرف العربي والأرابيسك والزخرفة وإدخالهم كعناصر تشكيلية. لقد اتخذت هذه النزعة شكلاً أكثر راديكالية في المغرب العربي وخاصة مع جماعة ال 65 التي تضم فريد بلكاهية ومحمد شبعة ومحمد المليحي.
(11) تطرق مروان ولأول مرة عن هذه المحطة في رسالة موجّهة إلى نغم حديفة بتاريخ 2 كانون ثاني 2014. لقد تم إهمال هذه المحطة في جميع المنشورات السابقة.
Nagham Hodaifa, op. cit., p. 47-48
(12) رسالة مفتوحة من نعيم إسماعيل إلى مروان نشرت ضمن مجلة المعرفة السورية، عدد 134 نيسان ، ص 102 - 108 1973
https://archive.alsharekh.org/Articles/64/14244/315944
شاهد أيضا عبد الرحمن منيف، رحلة الحياة والفن، ص 229
(13) Jörn Merkert, « Les premières œuvres inconnues de Marwan », in Marwan, peintures, gravures, cat. exp., Paris, IMA, 1993, p. 15.
(14) Eberhard Roters, in Marwan, cat. exp., Berlin, Galerie Springer, 1967, n. p.
يعد ابرهارد روترز من أهم الباحثين ومؤرخي الفن آنذاك وشغل عدة مناصب مهمة منها مديرا عاما لمتحف الفن الحديث في برلين.
(15) مروان قصاب باشي في مقابلة غير منشورة أجرتها نغم حديفة بتاريخ 23 آب 2009
(16) نفس المقابلة السابقة
(17) شهادة غير منشورة ليورن ميركرت أثناء مناقشة أطروحة نغم حديفة في الدكتوراه التي قُدمت عام ٢٠١٥ في جامعة السوربون باريس الأولى حيث كان أحد أعضاء لجنة التحكيم.
Nagham Hodaifa, L'œuvre de Marwan de 1964 à nos jours : le visage en question et l'œuvre sur papier, sous la dir. Françoise Levaillant et Emmanuel Pernoud, Thèse de doctorat en Histoire de l'art et Archéologie, Université Paris 1 Panthéon-Sorbonne, 3 vol., 2015, 613 p.
(18) مروان قصاب باشي، أيام الرماد والرمّان مذكرات ويوميات، بيروت، دار التنوير للطباعة والنشر، 2018
(19) المرجع السابق ص 343
(20) Emmanuel Levinas, Philippe Nemo, Éthique et Infini. Dialogues avec Philippe Nemo, Paris, Fayard – Radio France, coll. « L'Espace intérieur », 1982, p. 89
(21) Jacques Derrida, Adieu à Emmanuel Levinas, Paris, Galilée, coll. « Incises », 1997, p. 49.
(22) Nagham Hodaifa, Marwan Face à face, op. cit., p. 304, sq.