مقابلة مع الفنانة أسماء فيومي

ولدت الفنانة أسماء فيومي في عمّان عام ١٩٤٣ ودرَست الفنون الجميلة في دمشق حيث تخرّجت عام ١٩٦٦ بمشروع من لوحات تجريديّة عُرضَ قسم منها لاحقاً في أولى معارضها في صالة الفن الحديث العالمي بدمشق. أغنت تجربتها في العمل في التلفزيون السوري إلى جانب الأمومة عملها الفنيّ. هي من أبرز فنانات جيلها اللواتي واجهن تحديّات التفريق الجنوسي على مدار مسيرتها الثريّة.

ولدتِ عام ١٩٤٣ في عمّان في الأردن لوالدين سوريين، وكان لوالدك مهنة لافتة في الوسط الثقافيّ، حديثنا عن عائلتك وتأثيرها على تفتح الميول الإبداعيّة لديك، وعن ذكرياتك البصريّة المبكّرة التي تعتقدين أنها ترك أثراً طويلاً على فنّك.

والدي من أصول مصرية، كان والده مصريّاً. في العائلة كان لدينا شغف بالسينما لأن والدي كان يمتلك سينما وكان يذهب إلى القاهرة ليحضر أفلاماً من شركة فوكس، حيث لم تكن تتوفر في عمان في الأردن مكان إقامتنا في حينه أفلامُ أجنبية، وكان يصطحبنا أحياناً معه إلى القاهرة فتعرفنا على الحياة خارج المنزل. كنا نرافق والدي ونشاهد الأفلام من الصباح حتى المساء. فوق السينما كان يُعقد نادٍ ثقافيّ كان والدي يدعي الفرق مصرية لتقدم عروضاً متنوعة. ووالدي كان شاعراً، نشرتُ لهُ مؤخراً كتاباً لم يتسن له نشره بعنوان «المختار من الموشحات الأندلسية». لقد أثرت فيّ تلك الأجواء الثقافية والفنية الغنية بعمق.

إضافة إلى ذلك كانت لدارنا حديقة مليئة بالورود بختلف الألوان، وكان ذلك مؤثراً جداً لعين الطفل. داخل البيت كانت هناك متع بصريّة أخرى، فلقد كان صديق والدي فنان تركيّ اسمه ضيا سُليمان، وكان والدي قد اقتنى عدداً من أعماله وقد شاهدته يرسم بورتريه لشقيقتي. كنا محاطين باللوحات والكتب. كان أبي يتيح لنا الكتب ما عدا تلك السوداوية خشية علينا. لا شكّ أيضاً أن الوفاق بين الوالد والوالدة قد حققّ هدواً نفسياً وعزز زراعة الصور والأحاسيس الجميلة.

لدى عودتنا إلى الشام (دمشق) عام ١٩٥٠، كنت في السابعة من العمر تقريباً. كنت قد بدأت بالفعل بالرسم في الحضانة في عمان. لقد بدأت الرسم منذ اللحظة التي تمكنت فيها من الإمساك بالقلم.

درست في كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرجت عام ١٩٦٦، الأعوام الأولى بعد تأسيس الكليّة. ما الذي دفعك إلى دراسة الفن؟ وما هي وجهة نظرك بكلية الفنون بدمشق ومناهجها في فترة نشأتها الأولى بالمقارنة مع مآلاتها اللاحقة؟ ومن كانوا زملاء الصف في فترة دراستك؟

في دمشق التحقت بمدرسة التطبيقيات المسلكية، ثم بمدرسة التجهيز الأولى في زكي الأرسوزي وكانت مديرتنا الدكتورة ليلى الصباغ، اسم كبير في سورية. كانت تهتم بالمواهب وكان على سطح المدرسة غرفة مليئة باللوحات والألوان الزيتية والورق وكانت تأتمنني على مفاتيحها. كنت أشعر بأنها قد خصتني بشيء شديد الأهمية. كنت أدخل تلك الغرفة وأستغرق بالرسم، وكانت الدكتورة ليلى تزين القاعات بلوحاتي. عندما تخرجت بعد البكالوريا رغبت بأخد لوحاتي فقالَت : «لا يا بنتي إنتي إيدك معك وهاللوحات للمدرسة». أشعرتني حينها بأني قد أنجزت أعمالاً هامّة جداً مع أنها كانت أعمالاً عاديّة. كتب الصحفي والسياسي لاحقاً صفوان قدسي عن معارضنا في المدرسة الثانوية لكني لم أحتفظ بتلك المقالات.

كنت أزور مع أخي مرسم الفنان الأستاذ ناظم الجعفري. كان يرسم البورتريه وكنت سعيدة جداً بمراقبته. كذلك كنت وقفت عدة مرات أمام الأستاذ محمود حماد أثناء عمله في مرسمه. كان لدي هاجس لاكتشاف الرسم والتلوين، وكنت استخرج اللون الأحمر من الورود. وقد رسمت من خيالي بورتريهات وطبيعة.

عندما أنهيت المرحلة الثانوية كنت اعتزم بكل تأكيد أن أدرس الفن، وكانت هناك وعود من المدرسة بإرسالي للدراسة في روما. وعندما راجعت مديرتي اتصلت بالوزارة فأجابوها بأنه من غير الممكن إرسالي إلى إيطاليا لأنه أصبح في دمشق كلية للفنون جميلة. حزنت جداً في حينها، لكن التحقت بالكلية في السنة الثانية من تأسيسها وكان ذلك عام ١٩٦١. أنا خريجة الدفعة الثانية، وكان مقرّ الكليّة الأول في العفيف قبل أن تنتقل إلى ساحة التحرير عام ١٩٦٢.

عند امتحان دخول الكلية، اكتشفت أن هناك من المتقدمين من تعلّم تقنيات الرسم أصلاً في معهد أدهم إسماعيل أو في دروس خاصّة أو في الفنون التطبيقية على عكسي. لكني رغم ذلك اجتزت الامتحان، رسم تمثال ڤينوس بنجاح في وقتها مرّ الفنان فاتح مدرّس أمامي وقال: «هي بترسم حالها، شخصيتها قويّة» في إشارة إلى أنني رسمت فينوس على هيئتي. كان فاتح مشرفاً على الامتحانات ولم أره يعلق سوى على عملي. لاحقاً لم أكن على وفاق معه فنيّاً فهو حداثيّ وأنا كانت قناعتي تعلّم الفن الأكاديمي والواقعي.

كان من أساتذتنا أيضاً الفنان الرائد ناظم الجعفري، ثم تعرف على الأستاذ نصير شورى. في دفعتي كان هناك تسعة طلاب من بينهم أربعة فتيات كانت اثنتان منهنّ من قد استقدمتا من معهد الفنون التطبيقية لتعزيز عدد الإناث. وكان زملاء دفعتي الفنانين فائق دحدوح وأسعد عرابي وصخر فرزات وكانت بينهم منافسة وخرجوا جميعاً فنانين هاميّن. كنت راغبة بدخول تلك المنافسة، وأذكر تعليقاً للجعفري وقد كان قد درّسهم في معهد أدهم إسماعيل: «انتبهوا اسما بدت تلحقكم». قبل دفعتنا كان هناك طلاب كانوا في مصر، أُعيدوا إلى سوريا عندما انفكّت الوحدة. منهم الفنانين نشأت الزعبي وعلي الصابوني وممتاز البحرة وهالة القوتلي وخالصة هلال ولميس طاشوالي وخالد أسود ومجيب داوود.

حدثينا عن مشروع تخرجك «نساء» وتجربتك في التجريد وعن أساتذتك خصوصاً أنك عاصرتِ فاتح المدرس وجيوديو لارجينا وجدل موضوع فرض التجريد على الطلاب

في السنة الثالثة من الكلية كنا نرسم البورتريه والموديل العاري، وقد رُفعت في الجوامع الأدعية ضدنا لوجود الموديل العاري. في الواقع، رسم الجسد العاري هو وسيلة تعليمية لا غنى عنها لأن خط الجسد مغاير تماماً لخط التمثال. وفي ذلك العام قدم جيودو لارجينا وكنا قد أتقنا رسم الوجه والجسد. لكنه أراد أن ننسى هذا المنهج وأن يعلمنا بأن اللوحة هي بناء تركيبي ولوني وهذا هو التصوير الزيتي الحقّ. كنت في حينها أرسم على طريقة رامبرنت لكني أحببت التجريب وحرضني ذلك لاستكشاف المدارس الفنية عبر الكتب التخصصيّة. وأرشدنا لارجينا إلى الانطلاق من الشكل لبلوغ التجريد وأشار أن ذلك يلغي التشابه على عكس استنساخ صورة واحدة. وهكذا بدأت بتحوير جسد المرأة وفي مشروع تخرجي رسمت لوحات تجريدية منطلقة من دراسات واقعية لموديلات عاريات.

مقابلة مع الفنانة أسماء فيومي - Features - Atassi Foundation

بدون عنوان“، أكريليك على قماش، 152 × 152 سم، 2010"

لم يتقبّل كل الطلاب أسلوب هذا الأستاذ مثلاً فائق دحدوح وأسعد عرابي احتفظوا بمسارهم الفنيّ، لكن ربما حقيقة أنه في مرحلة الدراسة قد يؤثر ذلك على العلامات قد جعل الطلاب في النهاية يجربّون التجريد. حتى أن الياس زيات الذي كان أستاذاً في حينها قد رسم دمشق تجريدياً وكذلك نصير شورى الذي رسم المنظر الطبيعيّ بنزعة تجريديّة. كان فاتح المدرّس معارضاً لنهج لاريجينا وانتقده في إحدى الندوات معتبراً إياه مخرّباً للفن و لكني في حينها جاوبته بأننا قد كان معلّماً جيداً.

كانت لدينا مواد نظريّة أيضاً بدوام صارم من الثامنة وحتى الثانية ظهراً. كان حسن كمال أستاذنا في الميثولوجيا وخلال دروسه تعززت في ذهني صورة المرأة كرمز للأرض والوطن والخصب، وكان استاذاً كنيته الإمام مدرّسنا لمادة التشريح حيث كان يحضر لنا العظام لنتعلم منها. كان هناك أيضاً مادة علم الجمال وكان مدرّسها الأستاذ محمود حوا الذي كان يقارب اللوحة بالموسيقا واللون بالنوتة وهذا قد أثر في تجربتي في التجريد.

انطلق مشروع تخرجي «نساء» من دراسات عديدة و عدد من اللوحات كبيرة القياس، انتقلت منها إلى الرسم بالفحم ثم أنجزت لوحة ضخمة وعشر لوحات أخرى وكتبت عن هذا المشروع وتخرّجت بدرجة شرف. كان من أعضاء التحكيم الأساتذة لارجينا ونصير شورى ومحمود حماد وفاتح مدرس والياس زيات. بعد تخرّجي رغبت في التقدّم لمنحة إلى فرنسا وكنت قد حصلت على امتياز، لكن الكلية أرسلت زميلاً حصل على تقدير جيد، وقال لي عميد الكلية في حينها محمود حماد : «كيف بدك تروحي بين الشباب»

أقيم أول معرض فني فردي لك في صالة الفن العالمي الحديث عام ١٩٦٧، ماهي أهمية هذا المعرض على مسيرتك ؟

فور تخرّجي تابعت عملي الفنيّ، وأقمت معرضي الأوّل تقريباً بعد عام واحدٍ من التخرّج في صالة الفن العالمي لمحمد دعدوش الذي كان يمتلك مطبعة أصلاً وأخوه الفنان التجريدي محمود دعدوش. كانت الصالة تقع فوق سينما روكسي بمنطقة سينما فردوس. تضمّن المعرض بعض أعمال التخرج. أذكر في حينها أن لارجينا عاتبني لأني لم استشره أو أطلب تقديمه لي، لكن أنا كنت راغبة بالبقاء مستقلّة وحرّة ولم أكن أرغب بتوجيهات أو أي تدخّل. كان عدد الحضور كبيراً ولقد أثار المعرض ضجة. وربما يعود السبب لأنيّ فتاة حديثة التخرّج وفوق ذلك كانت أعمالي تجريديّة. كتب عن المعرض طارق الشريف، وحضر عبدالرؤوف الكسم الذي أخذ لوحتين من دون ثمن. أذكر أيضاً حضور خريمة علواني الذي رأى أن «اللوحات متشابهة» على حدّ تعبيره.

في أحد اللقاءات على هامش المعرض، قلت بأن حتى أمواج البحر التي تبدو متماثلة، لا موجة تشبه الأخرى. استهمت قولي هذا من ماتيس عندما قال : «أوراق التين لا تتشابه لكنها كلها تصرخ : أنا ورقة تين».

باختصار لم يتم تقبّل هذا المعرض بسهولة إلّا من قبل عدد من المثقفين. بعد ذلك تتالت المعارض تقريباً سنوياً فعرضت مرات عديدة في المركز الثقافي العربي. وكنت اشترك دوماً بالمعارض السنويّة الربيع والخريف الذي كان يُقام في المتحف الوطني بدمشق (ما يدعى المعرض السنوي اليوم) حيث اشتركت فيه للمرة الأولى عندما كنت طالبة و قد تم اقتناء لوحتي التجريدية علماً أنها كانت المرّة الأولى يعرض لطالب في المتحف.

عملتِ في كلية الفنون في دمشق في أي عام بدأتِ؟ حديثينا عن مهامك وتجربتك في التدريس.

درّست لعامين أو ثلاثة أعوام فقط. في الواقع لم أقتنع بالنهج المتّبع. فلقد كان من غير الممكن متابعة العدد الكبير من الطلاب. وهنا أسلط الضوء على قضية القبول في كلية الفنون الجميلة. فحالياً يتم قبول عدد كبير جداً من الطلاب وهو أمر غير منطقي. الفن عمل جادّ وصعب ويحتاج تعليم حقيقي وموهبة وهذا لا يمكن أن يتوفر لعدد يقارب السبعين طالب في كل سنة. تجربتي بالتدريس كانت بحدود عام ١٩٨٣عندما كانت الكلية في ساحة التحرير، في حينها استدعاني الأستاذ خالد المز كمحاضرة لمادة الرسم وحينها أشاد الياس الزيات بتقدّم الطلاب تحت إشرافي. ذلك كان لإخلاصي ومنحي الوقت لكل طلاب. لكن لعملي في التلفزيون أيضاً في تلك الفترة ووجود طفلين في البيت يتطلبان عناية ومتابعة درسيّة، انتهى بي الأمر بالتوقف عن التدريس. في حينها اعترضت المخابرات وحققوا في أمري لكوني كنت أدرّس في حين لم أكن منتمية لحزب البعث ولأني كنت أذهب للمركز الثقافي السوفياتي. وكانت هذه الإجراءات موجودة تُطبق على كل اسم بارز في البلد.

ولو تسنى لي اليوم أن أعلّم أو أنصح الجيل الجديد فسأقول : إقرؤا ! للأسف الأجيال الجديدة لا تقرأ تقريباً. الهواتف المحمولة تقتل الثقافة. شخصياً كانت سعادتي كبيرة عند ذهابي لشراء كتب التصوير والرسم من المكتبة العمومية عقب كل راتب استلمه.

هل انعكس فنك على عملك في التلفزيون السوري؟

بدأت عملي في التلفزيون عام ١٩٦٩. التلفزيون يشبه الجريدة اليومية، كما الصحافة يجب تبديل الديكورات ورسم خلفيات جديدة كل يوم. قد يخشى المرء التأثر بهذا النمط السريع والمستهلك للصورة، لكن أنا قمت بالعكس. لقد اشتغلت الخلفيات كأنها لوحات، كنت أحياناً أرسم غرفة كاملة بحدود تلاتين متراً، ويومياً، بعد الانتهاء من دوامي الوظيفيّ أرجع لغرفتي، لطاولتي المجهزة لرسم المائيات، وأرسم قبل النوم.

قبل زواجي، رسمت أطفال واحدة من صديقاتي. كنت أرسم وضعيتهم في عربة الأطفال حيث تبدو الأقدام كبيرة والوجه صغير. هكذا دخل الطفل إلى لوحتي في البداية. وبعد زواجي عام ١٩٧٢ وإنجابي ابنين، رحت أرسمهما. صارا هما موضوعي. كنت أتتبع وأراقب حركاتهما طفلين، فرسمت ابني سومر. أولا ألهمتني الطفولة وارتباطها بالخلق، هي هبة رائعة ومحفّزة للرسم.

عندما عملت ضمن الأعمال تاريخية كنت سعيدة وكنت أرجع لمراجع على سبيل المثال لرسم حانة قيس بن الملوّح وطرفة بن العبد عدت إلى بعض الأغاني الشعريّة. استوحيت من المنمنمات والأجواء الصحراويّة.. علمني العمل في التلفزيون كمصممة ديكور البحث ووسّع لي أفقي.

للأسف يقال أن كل ذاكرة التلفزيون على الأشرطة قد احترقت في مستودع في حرستا. كان ضمنها أشرطة أعمال تأسيسيّة للتلفزيون السوريّ مثل «انتقام الزباء» و «حكايا الليل» و«مذكرات حرامي».

مقابلة مع الفنانة أسماء فيومي - Features - Atassi Foundation

بدون عنوان“، زيت وأكريليك على قماش، 150 × 300 سم، 2007"

إذا تتبعنا الحركة التشكيلية في سوريا منذ بداية القرن العشرين وحتى اليوم نلحظ أن عدد الفنانات في البدايات كان قليل وندرة منهن من تابعن مسيرتهن، وهي نسبة بدأت بتزايد ملحوظ منذ الثمانينات وتقدمت تصاعدياً حتى يومنا مع عدد كبير من الفنانات الاحترافيات السوريات. كيف ترين مشاركة النساء في الحركة الفنية السورية وما هي المعوقات أمامهن؟

كانت الفنانات في البداية قلّة في الكليّة. صحيح أنه بداية كان هناك نسبة أربعين بالمئة لكن بعض المسجّلات كن يرغبن بتدريس الرسم فقط من دون طموح في السير في درب الفن. لكن أذكر من زميلاتي خالصة هلال من حلب وفاتن عقيلي التي درست الديكور. اليوم هناك عدد أكبر من الفنانات اللواتي أثبتن حضورهن مثل سارة شمة منار شوحا، ريما سلمون، وقبلهنّ ليلى نصير ولجينة الأصيل التي كانت ترسم للأطفال وضحى قدسي الخزافة وهالة مهايني التي ما زالت مستمرّة بالرسم وشلبية إبراهيم التي نحسبها على الحركة السوريّة لأنها عاشت في سورية. لكن من وجهة نظري الفن لا يعرف امرأة ورجل إنما الهاجس والرغبة، أي لا جنس للفن فهو ف«الفن إنساني» كما كتب سارتر في كتاب جمهورية الصمت. بل من الممكن أن يقوم طفل أو طفلة برسم لوحة عظيمة.

صحيح أن الأمومة تشغل المرأة عن كل شي ليس فقط عن الفن بل عن كل شي لذلك نرى العديد من الفنانات يبتعدن عن درب الفن. كان نصير شورى يقول «الفن حبيب مدلل إن تركته تركك».

لكن لا بد من القول أنه ربما يكون هناك معوقات بسبب قناعات معينة عند أصحاب الصالات المحليّة بأن النساء أضعف فنيّاً. هذه النظرة الدونية ما زالت موجودة للأسف رغم وجود فنانات مثل فريدا كاهلو وغيرها. ولذا فإما هناك موهبة أو لا موهبة بغض النظر عن الجنس.

 اليوم المعوقات كبيرة على الجميع فنانين وفنانات فالحركة التشكيلية تتفاعل مع الأحداث مثل أي شيء في المجتمع. أنا أشدُّ على يد الفنانين الذين بقوا في سورية رغم كل شيء، مثل عمران يونس وصلاح حريب، وآسف لأن العديد غادر البلد، فسورية بحاجة أبنائها اليوم أكثر من أي وقت مضى. وأنا مؤمنة بأن العديد سيعود، كما هي قصة العود الأبديّ، مثل أسطورة أدونيس الذي يموت ويحيا ويموت ويحيا. وكما يقول أسد الأشقر «الشعب السوري شعب رسول»، بمعنى أنّه معطاء وجذوره قويّة.

حدثينا عن أعمالك الفنيّة والعناصر فيها : المرأة والطفل والأيدي والوجوه والمدينة. في مقال عن معرضك «قلق شك يقين» ذكر الناقد الأستاذ سعد القاسم بأن اسمك مرتبط تاريخياً بمواضيع منها معاناة الأطفال في ظل العدوان الإسرائيلي. كيف كان تفاعلك على مدار السنين مع القضية الفلسطينية ؟

أعتبر لوحاتي ككتابة المذكرات، فأنا أرسم مثلاً المدينة كما أراها في اللحظة. أرسم دمشق وهي أحب مدينة إليّ أحياناً أراها بؤرة ضوء وليس أبنية بالشكل التقليدي. في الواقع، أثناء عملي بالتلفزيون زرت كل حارات دمشق وراقبت كيف يعبر النور بين الأبنية ، انطبع ذلك الأثر في ذاكرتي بهذا الشكل غير التقليدي، وارتبط بالحكايات والأحداث. على سبيل المثال في البيوت المجاورة لبعضها البعض، إذا تزوج شاب بصبيّة من بيت شديد القرب، مدّ الأهل صلة بين البيتين تسمى السيباط. أذكر أيضاً أن غسان رحمه الله لتصوير مسلسل «لك يا شام» كان مثّل علي الرواس دور كشاش حمام فتأثرت ودخلت الحمام للوحتي . لذا لوحاتي هي سجلّ لحياتي. ومن هنا عندما اندلعت الحرب في غزّة وكذلك عقب مجزرة قانا، ولشدة تأثري وجدانيّاً بمأساة الأطفال والقتل والدمار، انعكس ذلك على لوحتي رسمت الأطفال ورسمت أيد ترتفع إلى السماء. إن ما يدخل أعماقي يظهر عبر اللوحة دون تخطيط مسبق. أنا أحب الطيور وأوراق النبات وهذا يظهر أيضاً في لوحتي، كما تظهر المرأة الأرض والولادة. بحب الأرض بالنسبة لي المرأة هي الأرض والولادة. وبنية لوحتي لا تتبع قاعدة معينة، أحياناً قد استخدم الصليب للتعبير عن العجز أمام عذابات الأطفال واستغاثاتهم.

باختصار أنا لا أبحث عمّا يُعجب الناس إنما أبحث عن الصدق.