تأسست غاليري غرين آرت في دبي عام 1995 لتكون واحدة من أولى دور العرض الفنية في المدينة. وبإشراف الجيل الثاني من العائلة ، ممثلاً بياسمين أتاسي، أتى الانطلاق بحُلَّة جديدة عام 2010 مع الانتقال إلى مُجمَّع السركال أفينيو. التغيير الذي أدخلته أتاسي لم يقتصر على الجانب الجمالي لصالة العرض، بل امتدّ ليشمل برنامج الدار الذي توسّع من عروض تتركز بشكل رئيسي حول أعمال فنانين عرب حداثيين وفي طليعتهم فاتح المدرِّس وضياء العزاوي وبول غيراغوسيان، ليشمل كوكبة أسماء من أرجاء العالَم تعكس الطبيعة العالمية لإمارة دبي. واليوم، ها هي غاليري غرين آرت اليوم وقد أصبحت جهة تمثِّل مجموعة من الفنانين المعاصرين المرموقين مثل هالي تنغر ونازغول أنسارينيا وكامروز آرام وهيرا بويوكتاشيان وأسماء أخرى.
إليكم حواراً بين "المجلة" وياسمين أتاسي يتطرّق للمقاربات المتّبعة في التعاون مع الفنانين، وعما تنتظره من موقعها كمشرفة على الدار من كل فنان جديد ينضمّ إلى قائمة المتعاونين مع غاليري غرين آرت، وعن آلية ذلك التعاون، والجوانب التي تجعل الفنان بمثابة إضافة تناسب الدار، وكيف يتم التوقيع مع فنانين جدد.
كيف تم تغيير برنامج غاليري غرين آرت؟
تكوَّنت لديّ قناعة بأن الطريقة الوحيدة المتاحة أمامي للإشراف على الدار وتفعيل دورها كفضاء تجاريّ راسخ تتمثّل بتغيير المسار وإدارتها على شكل دار فنية احترافية. في البدايات، كانت غاليري غرين آرت عبارة عن ملتقى فني يعكس روح مرحلة نشاط الدار في دبي خلال تسعينيات القرن العشرين. لكن عندما استلمتُ الدفّة في عام 2008، كان المشهد الفني والثقافي في دولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة عموماً قد تغيّر بشكل كامل، وشَهِد افتتاح العديد من الدور الفنية الاحترافية. والاستمرار بإدارة الغاليري بنفس الطريقة لم يكن خياراً قابلاً للاستدامة.
ما هو التغيير الأهم الذي قمتِ به؟
أردتُ أن تكون قائمة فناني الدار عالمية بدرجة أكبر، ولكن من المهم أيضاً أن تكون لبرنامج الغاليري أصداء لدى الجمهور، وللمنطقة، ولنا نحن كقائمين على الدار، وكعائلة معنيّة بالشأن الثقافي. أردتُ من الفنانين الذين ينضمّوا للدار أن ينخرطوا في حوارات مع بعضهم البعض. ورغم أنهم لن يقوموا جميعاً بذلك الشكل من التبادل الفني في الوقت عينه، إلا أن هناك صلات كثيرة تربط بين فناني الدار على المستوى الفردي. وفي النهاية، يتطوّر برنامج الغاليري بفضل الفضول والرؤى على المستوى الفكري.
كيف شرعتِ بهذا التغيير عند تولّي إدارة الغاليري؟ وهل قمتِ باتّباع نموذج معين في ذلك؟
لم يكن الأمر سهلاً. تطلّب الأمر إدخال تغييرات كبيرة على آلية عملنا، دون أن يقتصر ذلك على قائمة الفنانين المتعاونين، من أجل إعادة ضبط نشاط الدار والانتقال بها من المكانة التي احتلتها في التسعينيات وصولاً إلى يومنا هذا. كانت تلك تجربة تعلّمنا منها الكثير. وتوجّب عليّ تدريب نفسي على كيفية إدارة دار فنية احترافية. توجّهت لنفسي بأسئلة عما يعنيه فعلاً أن تكون الغاليري جهة تمثُّل الفنانين، وعن الدور الذي يجب أن تضطلع به. وبينما يبدو ظاهرياً أن الغاليري تبيع الأعمال الفنية، إلا أنها تقوم بما هو أكثر بكثير من ذلك.
كيف توصّلتِ لإجابات على هذه الأسئلة؟
كنتُ كالإسفنجة [التي تمتصّ كل شيء]، ذهبتُ إلى كل مكان، وقرأتُ الكثير. زرتُ كلّ ملتقى ومعرض فني. تصفّحتُ المجلات وزرتُ الفعاليات وافتتاحات الغاليريهات، تشرّبتُ كل شيء. أردتُ فهم منظومة الفن برمّتها. وضعتُ خطة عمل بعد أخرى لأن المشروع يجب أن يكون مستداماً من الناحية التجارية، وذلك لخلق بيئة ناجحة بأفضل شكل ممكن لدعم الفنانين والترويج لهم، وكذلك بالنسبة لي شخصياً. كنتُ شابة في الخامسة والعشرين من العمر تبذُل قصارى جهدها، ويجب أن يكون هذا مصدر رزقي. في تلك السنوات الأولى، كان مرتّبي زهيداً. لم يكن لدى الغاليري المال، وكلّ قرش جنيناه، كنتُ أستثمره في الدار مجدداً.
متى انضمّ أول فنان "جديد" إلى غاليري غرين آرت؟
كان ذلك عام 2010 والفنان هو كامروز آرام. سافرتُ إلى نيويورك لكي أقنعه بالانضمام إلى الغاليري.
ها هي الغاليري قد أصبحت مزدهرة وتضمّ قائمة المتعاونين معها فنانين مرموقين ومشهود لهم. ما الذي يثير اهتمامك عند البحث عن اسم جديد ينضمّ لقائمة فناني الدار؟
هناك الكثير من الفنانين الذين أحبّ أعمالهم، ولكن لا أضمّهم للدار لشعوري بصعوبة تقديم أعمالهم وبيعها، وذلك أحد العوامل. عندما أتعرّف على فنان يثير اهتمامي، أتعمّق أكثر. الإنترنت هي مصدر عظيم بطبيعة الحال، سواء تمثّل ذلك بالموقع الإلكتروني للفنان أو صفحة خاصة به ضمن موقع إلكتروني لمتحف أو نحو ذلك. ومن ثم أتطلّع لإيجاد طريقة للتواصل معه بحيث نجري اتصالاً هاتفياً. وقد أسافر للالتقاء به وزيارة مُحترفه إن كان ذلك ممكناً. مشاهدة الأعمال هو أمر ضروري، ولكن استكشاف توافق الشخصيات وآفاق التعاون هو أمر يحمل نفس القدر من الأهمية. وما أعنيه بذلك هو أن الإنتاج الفني يجب أن يكون متماسكاً، ولكني بحاجة أيضاً لمعرفة ما إذا كنتُ قادرة على التعامل مع هذا الإنتاج لعرضه وبيعه والترويج له.
ما الذي يحسم ذلك بالنسبة لكِ؟
ما أبحث عنه هو اتساق وعمق الممارَسة الفنية. وهل يدفعني العمل للتفكير؟ يجب أن يتمتّع العمل بالعمق وأن يكون ذو مستويات مفاهيمية، وهل يستطيع الفنان أن يتحدّث عن عمله ويشرح أبعاده بوضوح وبلاغة؟
ما هي الطريقة المثلى لكي يتواصل الفنان مع الغاليري أو يُثير اهتمامها؟ هل المبادَرة بإرسال نبذة عن أعماله دون أن تطلبها الدار هو أمر يعود بالفائدة؟
رغم أن المجال متاح أمام الفنانين للقيام بذلك، إلا أن مشكلة هذه الطريقة تتمثل بـأن نبذة الفنان غالباً ما تكون غير ذات صلة ببرنامج الغاليري. إرسال أعمال الفنان هو أمر مهم، لكن يتوجب عليه قبل ذلك إجراء دراسة عن الغاليري التي يستهدفها. فعلى سبيل المثال، إذا كان عمله يغلب عليه الطابع التشخيصيّ، ليس هناك جدوى فعلية من إرسال نبذة الفنان إلى دار متخصصة بالفن التجريدي. على الفنان أن يسأل نفسه: هل أعمالي مناسبة للغاليري؟ وهل هناك أعمال مشابهة على المستوى الجمالي أو المفاهيمي؟ وهل أعمالي منسجمة مع السياق العام لبرنامج الدار؟ تلك عوامل بغاية الأهمية.
إلى جانب إرسال نبذة عن الأعمال للغاليري، ما هي الطريقة الأمثل لاستقطاب اهتمام الدار؟
الفضاءات التي يشرف عليها الفنانون أو معارض الطلاب هي أماكن ممتازة لتقديم الأعمال. إن كان الفنان يتطلّع للتوقيع مع أول غاليري يمثّله، فإن عرض أعماله في فضاءات ناشئة هي طريقة ممتازة لتقديم نفسه لأن مسؤولي الغاليريهات مثلي يتّجهون إلى معارض المواهب الصاعدة، فهي فضاءات ممتازة للعثور على اكتشافات جديدة.
ما الذي يجعل الفنان جاهزاً لتُمثّله غاليري؟
برأيي، إنه النضج. وهل هناك سلسلة كاملة من الأعمال؟ وهل هي جزء من مفهوم موحَّد؟ وفي حال طلبتُ منه إعداد أعمال لمعرض منفرد، هل سيكون قادراً على القيام بذلك؟ هل لديه الأعمال والرؤية – على المستويين المفاهيمي والعملي – للقيام بذلك؟
ما هي الأمور الأخرى التي يجب أن يكون الفنان قادراً على تقديمها؟ وما هي الجوانب التي تضطلع بها الغاليري؟
إني على قناعة بأنه بينما من المهم بالنسبة للفنان فهم أساسيات الجانب التجاري من العمل مع غاليري تجارية لا حاجة لأن يكون الفنان خبيراً على المستوى التجاري أو متمرِّساً في مجال المال والأعمال. فنحن موجودون لتلك الغاية، إفساح المجال أمام الفنان للتركيز على الإبداع، بينما نضطلع بالجوانب الأخرى، الشحن والتصوير وتفاصيل العرض والصحافة والتسويق والمشارَكة في المعارض الفنية، وأمور أخرى. لكن يتعيّن على الفنان توثيق عمله بشكل مناسب، وتزويدنا بأسماء أعماله وتفاصيلها. وأخيراً، سيُفاجئكم أن أكثر أمر يغفل الفنانون عن القيام به هو توقيع أعمالهم!
بخلاف توقيع أعمالهم، ما هو الأمر الأهم الذي يتوجّب على الفنانين القيام به؟
أن يحافظوا على أصالتهم. العمل الجيد قد يكون بسيطاً وقوياً، ومنبعه صادق.