العالم بأسرِه مسرح
العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

Installation view of Mohamad Khayata's exhibition, Umm Al Zuluf, at 392rmeil393 gallery, Beirut, 2017

العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

كان محمد خياطة قد تخرّج للتو من كليّة الفنون الجميلة عندما سافر إلى لبنان عام ٢٠١٢م للمشاركة في معرض في مدينة طرابلس.  تحوّلت تلك الرحلة، كما حدث مع الكثيرين، إلى هجرة شبه دائمة ، فأصبحت بيروت مسكنه الجديد. في السنوات الفاصلة، تطوّر عمله الفني ليشمل الوسائط المتعددة، الرسم،التصوير، النحت والموسيقى، بحيث يجمع في معظم الأحيان الرسوم مع أعماله التصويرية ليقوم باستكشاف متعدد الطبقات للهوية والأمّة ، يدور في معظم الأحيان حول رسمٍ متكرر يظهر في أعماله: «المدّه» ، أو اللحاف المرقّع. هذا العمل هو انعكاس مجازي وحَرفي في آن معاً لرغبة الفنان في إعادة حياكة أجزاء سوريا مع بعضها البعض. يشرح خيّاطة هذه العملية للمجلّة ، ويتكلم عن تجربته في الانتقال إلى لبنان عام ٢٠١٢، وعن تطور ممارساته الفنّية. 

العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

كما الكثير من الفنانين السوريين، لم أكن أنوي مغادرة بلدي بشكلٍ دائم. لذلك لم تتوفر لي الفرصة لأودّع منزلي بشكل فعلي. كان جسدي في بيروت، ولوقتٍ طويل كنت أشعر باتصالي مع حياتي السابقة في دمشق ، كنت عالقاً في حالة من عدم اليقين بالعودة إليها. لكنني شخص حيويّ،و اكتشفت أن بيروت مليئة بالإبداع: التقيت مع موسيقيين، راقصين، كتّاب وفنانين بصريين، من سوريا ولبنان.

 

بفضل د. جواد الأسدي، مؤسّس ومدير مسرح بابل، أتيح لي استخدام استديو داخل المبنى، أن يكون لديك فسحتك الخاصة بعد الشعور بعدم الاستقرار والوجود في مرحلة انتقالية هو شعور يصعب وصفه. عدتُ أتنفّس من جديد. يحتاج كل شخص إلى فسحته الخاصة . لقد كان الأمر سحرياً في ساعات الليل وحيدا في مسرح كبير لي وحدي فقط.

العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

من خلال مسرح بابل أيضاً، التقيت بالمُخرجة والمصممة الفنية غنى سباعي، التي تعاونت معي في عمل «أجزاء وقطع Bits and pieces» في صالة392rmeil393 (التي قدّمتُ فيها لاحقا عدة معارض فردية و جماعية ). كلانا يهتم بالذكريات والأشياء المختلفة. ولقد تعاونا في اكثر المجالات من التصوير إلى الرسم والتركيبات وحتى صناعة الحِلى من شظايا الزجاج. كان كل ذلك ملهماً، فقد أصبح لي قنوات جديدة للتعبير عن نفسي.تكمن أهمية معرض «أجزاء وقطع» أيضا بأنه حقق لي الانتقال من التصوير إلى الرسم وفي النهاية إلى مزيج من الاثنين معاً. تصوّر الرسوم التي نفّذتها من أجل العمل أشخاصاً يلتفّون باللحاف، أو المدّه – اللحافات التي رسمتها تتضمن "رقعاً" من الأبنية المهدّمة، الزجاج المكسور وغيرها (نفذّت لحافاً جسدياً أيضاً سآتي على ذكره لاحقا). صوّرتْ الرسوم قطع أثاث محطّمة، مداخل وحقائب سفر – وهي رموز لذكرياته. يمثّل اللحاف أسرتي، المدّه التي تركتها ورائي، هو منزل يجسّد المخاوف وعدم اليقين وفي الوقت نفسه رغبة لحياكة البلاد مع بعضها البعض، قطعة قطعة. توجد هذه الأغطية في المنازل المتواضعة في كل أنحاء سوريا ومن خلالها وجدت الوسيلة المثلى لجمع ودمج القصص: تُحاك رُقع الذكريات مع بعضها ويتم إعادتها ككل ليسمع صوت أولئك الذين لا يسمع صوتهم عادةً، أو للكشف عن حكاياتهم بكل بساطة.

 

وهكذا قادني «أجزاء وقطع»إلى مشروعي الثاني «حياكة سوريتي مجدداً»عام ٢٠١٤م ، حيث جمعت بين الرسم والتصوير إلى جانب العنصر الحِرفي المستكشف مع غنى: قرّرت أن أزيل المدّه من الرسوم وأجعلها "حقيقية".

احتوى « حياكة سوريتي مجدداً » على صورٍ التُقطت في موقعين: بيروت ، وأوّل استديو عملت به في دمشق القديمة (باب توما) عام ٢٠١٢م قبل الرحيل. استوحيت العمل من ذكرى والدتي وهي تصنع لحافاً مرقّعاً.  فأردتُ أن أحوّل العمل اليدوي إلى عمل فني. ثم التقطت في لبنان صوراً لأشخاص يرتدون المدّه الجديدة التي صنعتها مع غنى. تردّدت أصداء خلفية بيروت الحضرية المدمّرة مع الدمار في سوريا.

العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

 

في الواقع، تحضرُ بيروت مع تحدّياتها الخاصة، فأن تكون سورياً فيها هو أمر صعب. الشعور بأنك متّصل بحياة قديمة يؤدي كذلك إلى الشعور بأنك ممزّق–هنالك خط يفصل ما بين الحياة التي تعيشها الآن والحياة التي تركتها. تناولت هذا الموضوع في سلسلة أعمالي «المشي على خيط » ٢٠١٥م ، قبل أن أنجز عمل «رسوم في صُوَر» (٢٠١٧م وحتى الآن).في هذا العمل، أطلب من الناس أن يحملوا رسومي عالياً– ثم تُستبدل وجوههم بالوجوه في الرسوم بشكل فعلي. أحب أن أستكشف تراصف أفكار وهويات الناس مع البيئة المحيطة بهم. 

 

تقدّم سلسلتي الأخيرة «تخلّـي»٢٠١٨م أعمال تركيبية تضم خمسة عشر وسيط مختلف وتتناول المخاوف: محاربة الخوف أصبحت جزءاً من هويتي منذ أن غادرت سوريا. كما أن هذه السلسلة تسجّل عودتي لممارسة النحت، الذي لم أمارسه منذ سنواتي الأولى كطالب في الفن. هناك مثلاً بالونات من الهواء الساخن من الدبابات المصغّرة، أنا مفتون بأشياء كهذه. بعد الحرب العالمية الأولى والثانية لم يعرفوا ماذا يفعلون بكل تلك الدبابات التي صنعوها ، فقاموا بتحويلها للاستخدام الزراعي. هنالك شيء إنساني مخيف للغاية: نحن فقط يمكننا أن نأخذ أغراض الموت والدمار ونحولها إلى أغراض للسلام والازدهار على هذا النحو. الموت، السياسة، الاقتصاد، كلها مترابطة وكلها في ذهني.

 

بدأت أيضا بدمج النحت في التصوير، في الصور الاكروبود الاسمنتي مكدس فوق البشر، أسميت هذه المنحوتة «أبو الندم». يضع مطوّرو العقارات القطع الإسمنتية على المواقع الساحلية و توجد بكثرة على الشواطئ اللبنانية ولقد أصبحت رمزاً لا إرادياً للإفراط المتوحش في البناء والتعدّي على المساحات العامة. بالنسبة لي هي تمثل المحرّك عديم الإحساس الذي لا رادع لهلأولئك الأشخاص الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة غير عابئين بالحفاظ على البيئة و الجمال والراحة المجتمعية. 

العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation
العالم بأسرِه مسرح - Features - Atassi Foundation

تحدد سلسلتي التي أنجزتها مؤخراً «فوق النزاع» شيئا من الانتقال أو ربما شعوراً بالرغبة في الهروب من كل هذا التركيز على الحرب، من عدم اليقين والذعر. ذُهلتُ بالتحدي التقني في رسم الغيوم وكيف يمكن تحقيق ذلك الحس السحري بعدم إمكان اللمس. تمثّل الغيوم هروباً من كل أشكال الفساد والأنظمة الظالمة التي تخنق لبنان. أحب أيضا فكرة أن الغيوم مسافرة مثل الكثير منا ، العالقين في حلقة لا نهاية لها من النزوح و الهجرة.

 

بشكل عام، هذا هو مكاني الآن. بيروت متنوعّة جداً والتناقض بين الأماكن و الناس والأنشطة اليومية يخلق تحدياً حقيقاً. أشعر بأنني قد حقّقت تقدّما خلال الوقت الذي أمضيته هنا. في السنة الماضية، سافرت إلى أوروبا وزرت إيطاليا وهولندا، أعجبتني تلك البلاد كثيراً، ولكن ماذا سأفعل هناك؟ فلقد وجدتُ هنا في بيروت مكاني وعملي. مثل تلك الغيوم، سافرت إلى أماكن مختلفة ولكنني أعود إلى هنا. تطوف الغيوم عبر القارات، مثلنا تماماً. نحن متشابهون. 

 

طبقاً للحوار مع آنا والاس