حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء

بانتهاجهما مسارين مختلفين، تأتي الأعمال النحتية لصفاء الستّ ويامن يوسف لتكون متباينة على مستوى المحتوى والأسلوب وتجارب الحياة، إلا أنهما يتقاسمان التوجه على مستوى توظيف الخامات الطبيعية والتلاعب بحجم الأعمال. والأهم من ذلك ربما، يتشاركان بالأثر العميق الذي تتركه مدينة دمشق – والأحوال العامة في سوريا – على أعمالهما.   

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

يامن يوسف، على الحافة، ٢٠١٦

لم يكن سهلاً على الإطلاق أن يكون المرء فناناً في سوريا خلال العقد الماضي. وفيما يتعلّق بالنحاتَيْن المقيمَيْن في دمشق صفاء الستّ ويامن يوسف، تتمثّل الصعوبة بمحدودية الفرص والمواد وإيجاد الفضاء المناسب – معنوياً كان أم حيّزاً مادياً – للإبداع في ظل حالة من اللاستقرار. فبالنسبة إلى الستّ التي يتكوّن جُلّ أعمالها من خامات معدنية اعتادت أن تجدها في ورشات الخردة، فقد أصبحت الآن تحصل عليها من تجار متخصصين، وهو ما تقول عنه "الخردة المعدنية لم تعد متاحة، رغم أن البلاد برمتها أصبحت خردة". أما يوسف الذي تأثّر أيضاً بتراجع توافر المواد اللازمة لعمله، فيستخدم طيفاً متنوعاً من الخامات، وهو ما يجعله أكثر مرونة في هذا الشأن. ولكن أتى ارتفاع الأسعار ليغيّر قواعد اللعبة بالنسبة له ولمعظم الفنانين الذين أمسوا غير قادرين على تحمّل تكاليف مواد الإنتاج الفني، وغالباً ما يعانون من انقطاعات متكررة للكهرباء وأزمة وقود مستمرة. ورغم كل تلك العوامل، استمرّ الفنانون بالإبداع ونجحوا بالمناورة في بلد وصل إلى الحضيض دون أي بارقة أمل في الأفق.

وُلد يوسف في مدينة طرطوس المتوسطية عام 1982. وعقب الانتقال إلى العاصمة للدراسة في كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة دمشق، استقرّ في العاصمة لنيل درجة الماجستير ولم يغادرها بعد ذلك. لكل منحوتة من أعماله، التي تُجسِّد شخوصاً في الغالب، قصة تستحضر كوكبة من المشاعر والانفعالات. أعمال الستّ تعبيرية أيضاً وتتبنى مقاربة متكلّفة لجهة تعاملها مع الخامات، يحتاج غيرها لسنوات مديدة كي يتقنها. وُلدت الفنانة عام 1974 في حمص، وهي من المدن التي تعرّضت لدمار يُعدّ الأكبر على مدى السنوات التسع الماضية، ثم انتقلت إلى دمشق للدراسة في كلية الفنون الجميلة التي تخرّجت منها عام 1997. ورغم الاختلاف الشاسع بين أعمال هذين الفنانَيْن، إلا أن ممارستهما الفنية في دمشق تنطوي على تقاطعات عدة، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة لمقاربتهما للفن بحدّ ذاته. وقع اختيار يوسف على خامات تتنوّع بين البرونز والخشب والصخر والصلصال، بحيث تأتي أعماله الطبيعية الخارجة من رحم الأرض على وجه نقيض مع استخدام الستّ المدهش للحديد المطوّع والنحاس والبراغي والمسامير. والتباين بين الطبيعة القاسية والصناعية لإبداعات الستّ والأناقة التي تتلبّسها أعمالها في شكلها النهائي تخلق أعمالاً تثير الحيرة وتأسُر المشاهِد في الوقت نفسه.   

 

لم يكن سهلاً على الإطلاق أن يكون المرء فناناً في سوريا خلال العقد الماضي. وفيما يتعلّق بالنحاتَيْن المقيمَيْن في دمشق صفاء الستّ ويامن يوسف، تتمثّل الصعوبة بمحدودية الفرص والمواد وإيجاد الفضاء المناسب – معنوياً كان أم حيّزاً مادياً – للإبداع في ظل حالة من اللاستقرار. فبالنسبة إلى الستّ التي يتكوّن جُلّ أعمالها من خامات معدنية اعتادت أن تجدها في ورشات الخردة، فقد أصبحت الآن تحصل عليها من تجار متخصصين، وهو ما تقول عنه "الخردة المعدنية لم تعد متاحة، رغم أن البلاد برمتها أصبحت خردة". أما يوسف الذي تأثّر أيضاً بتراجع توافر المواد اللازمة لعمله، فيستخدم طيفاً متنوعاً من الخامات، وهو ما يجعله أكثر مرونة في هذا الشأن. ولكن أتى ارتفاع الأسعار ليغيّر قواعد اللعبة بالنسبة له ولمعظم الفنانين الذين أمسوا غير قادرين على تحمّل تكاليف مواد الإنتاج الفني، وغالباً ما يعانون من انقطاعات متكررة للكهرباء وأزمة وقود مستمرة. ورغم كل تلك العوامل، استمرّ الفنانون بالإبداع ونجحوا بالمناورة في بلد وصل إلى الحضيض دون أي بارقة أمل في الأفق.

وُلد يوسف في مدينة طرطوس المتوسطية عام 1982. وعقب الانتقال إلى العاصمة للدراسة في كلية الفنون الجميلة التابعة لجامعة دمشق، استقرّ في العاصمة لنيل درجة الماجستير ولم يغادرها بعد ذلك. لكل منحوتة من أعماله، التي تُجسِّد شخوصاً في الغالب، قصة تستحضر كوكبة من المشاعر والانفعالات. أعمال الستّ تعبيرية أيضاً وتتبنى مقاربة متكلّفة لجهة تعاملها مع الخامات، يحتاج غيرها لسنوات مديدة كي يتقنها. وُلدت الفنانة عام 1974 في حمص، وهي من المدن التي تعرّضت لدمار يُعدّ الأكبر على مدى السنوات التسع الماضية، ثم انتقلت إلى دمشق للدراسة في كلية الفنون الجميلة التي تخرّجت منها عام 1997. ورغم الاختلاف الشاسع بين أعمال هذين الفنانَيْن، إلا أن ممارستهما الفنية في دمشق تنطوي على تقاطعات عدة، وكذلك الأمر أيضاً بالنسبة لمقاربتهما للفن بحدّ ذاته. وقع اختيار يوسف على خامات تتنوّع بين البرونز والخشب والصخر والصلصال، بحيث تأتي أعماله الطبيعية الخارجة من رحم الأرض على وجه نقيض مع استخدام الستّ المدهش للحديد المطوّع والنحاس والبراغي والمسامير. والتباين بين الطبيعة القاسية والصناعية لإبداعات الستّ والأناقة التي تتلبّسها أعمالها في شكلها النهائي تخلق أعمالاً تثير الحيرة وتأسُر المشاهِد في الوقت نفسه.   

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

صفاء الست، زواج القاصرات، ٢٠١٩-٢٠٢٠

يضطلع الحجم واللون بأدوار محورية في عمل الفنانَيْن. فبعض منحوتات يوسف صغيرة بحيث لا تتعدى حجم قبضة اليد، مقارنة بأخرى كبيرة لدرجة أنها تُعتبر صروحاً فنية حقيقية. ورغم أن ما يعتمل في نفس الفنان من مشاعر وما وضعه من رؤية يؤثّر على حجم العمل، إلا أن هذا الجانب غالباً ما تفرضه قيود عملاتية ومالية. فيوسف محكوم بالعمل بمشغله الصغير في دمشق حيث قيمة الإيجار الشهرية مرتفعة، بينما أصبح الوصول إلى ريف دمشق متعذراً نتيجة الحرب. وإلى أن يتمكّن الفنان من الانتقال لمنطقة آمنة يؤسس فيها مشغلاً أكبر، يظلّ معتمداً على ملتقيات النحت العامة. ورغم ذلك، لا يزال الوضع برمته ينطوي على معاناة كبيرة، ويقول في هذا الصدد: "إذا قمتُ بنحت أعمال كبيرة الحجم، لا يمكنني تخزينها ولا تسويقها، ولا إرسالها خارج سوريا بسبب ما نعيشه هنا من ضيق". أما الستّ التي اضطرت لهجر ورشتها الكبيرة في ريف دمشق بعد تعرّضها للدمار، فلطالما مالت لتقديم أعمال كبيرة الحجم، وهو ما جعلها تعاني هي الأخرى في تطويع وتلحيم المعادن وتشكيل أعمالها داخل ورشتها الصغيرة الواقعة في دمشق. تشرح الستّ أن العمل الكبير يملأ روحها وقلبها بالاكتفاء، ومن أجل "بعض التوازن" تضيف لاحقاً عنصراً بسيطاً أو عملاً صغيراً إلى المجموعة. تعمل الستّ على أعمال أصغر حجماً كذلك، مثل حوافر العجول (المقادِم) تلك بحجمها الطبيعي التي أعدّتها من الراتنج بعدة ألوان (قُدِّمت في معرض ’الموت يسكن قريباً مني‘ الذي أُقيم في دار النمر البيروتية عام 2017). ركّبت الفنانة على هذه الحوافر أدوات طعام، من سكاكين وملاعق وشوك وغيرها، فمنحتها حضوراً أكبر ينطوي على إحساس بالترهيب والتهديد. كاستعارة لمجتمع تنهشه الحرب، تسلّط هنا الضوء على كل أولئك الأشخاص الذين تُركوا أمواتاً في العراء والصحراء مثل جيفة حيوان تنهشها حيوانات أخرى. تُعتبر هذه السلسلة نموذجاً صارخاً للاستخدام النادر للألوان في أعمال الستّ التي غالباً ما تُفضّل الاعتماد على لون الحديد نفسه، حيث تقوم بصهر وإذابة عناصر حديدية مختلفة خلال عملية التلحيم لتقديم أعمال تتراوح ما بين الأسود والفضي وصولاً إلى تدرجات الذهبي الطبيعي والأحمر النحاسي.

يضطلع الحجم واللون بأدوار محورية في عمل الفنانَيْن. فبعض منحوتات يوسف صغيرة بحيث لا تتعدى حجم قبضة اليد، مقارنة بأخرى كبيرة لدرجة أنها تُعتبر صروحاً فنية حقيقية. ورغم أن ما يعتمل في نفس الفنان من مشاعر وما وضعه من رؤية يؤثّر على حجم العمل، إلا أن هذا الجانب غالباً ما تفرضه قيود عملاتية ومالية. فيوسف محكوم بالعمل بمشغله الصغير في دمشق حيث قيمة الإيجار الشهرية مرتفعة، بينما أصبح الوصول إلى ريف دمشق متعذراً نتيجة الحرب. وإلى أن يتمكّن الفنان من الانتقال لمنطقة آمنة يؤسس فيها مشغلاً أكبر، يظلّ معتمداً على ملتقيات النحت العامة. ورغم ذلك، لا يزال الوضع برمته ينطوي على معاناة كبيرة، ويقول في هذا الصدد: "إذا قمتُ بنحت أعمال كبيرة الحجم، لا يمكنني تخزينها ولا تسويقها، ولا إرسالها خارج سوريا بسبب ما نعيشه هنا من ضيق". أما الستّ التي اضطرت لهجر ورشتها الكبيرة في ريف دمشق بعد تعرّضها للدمار، فلطالما مالت لتقديم أعمال كبيرة الحجم، وهو ما جعلها تعاني هي الأخرى في تطويع وتلحيم المعادن وتشكيل أعمالها داخل ورشتها الصغيرة الواقعة في دمشق. تشرح الستّ أن العمل الكبير يملأ روحها وقلبها بالاكتفاء، ومن أجل "بعض التوازن" تضيف لاحقاً عنصراً بسيطاً أو عملاً صغيراً إلى المجموعة. تعمل الستّ على أعمال أصغر حجماً كذلك، مثل حوافر العجول (المقادِم) تلك بحجمها الطبيعي التي أعدّتها من الراتنج بعدة ألوان (قُدِّمت في معرض ’الموت يسكن قريباً مني‘ الذي أُقيم في دار النمر البيروتية عام 2017). ركّبت الفنانة على هذه الحوافر أدوات طعام، من سكاكين وملاعق وشوك وغيرها، فمنحتها حضوراً أكبر ينطوي على إحساس بالترهيب والتهديد. كاستعارة لمجتمع تنهشه الحرب، تسلّط هنا الضوء على كل أولئك الأشخاص الذين تُركوا أمواتاً في العراء والصحراء مثل جيفة حيوان تنهشها حيوانات أخرى. تُعتبر هذه السلسلة نموذجاً صارخاً للاستخدام النادر للألوان في أعمال الستّ التي غالباً ما تُفضّل الاعتماد على لون الحديد نفسه، حيث تقوم بصهر وإذابة عناصر حديدية مختلفة خلال عملية التلحيم لتقديم أعمال تتراوح ما بين الأسود والفضي وصولاً إلى تدرجات الذهبي الطبيعي والأحمر النحاسي.

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

يامن يوسف، اكرأة ملتحفة، ٢٠١٨

مستخدِماً توليفة ألوان موجودة في الطبيعة، بما فيها تدرجات البرتقالي والأخضر، يجد يوسف عزاءً أيضاً في تنويعات الأزرق المستوحى من ألوان نوافذ البيوت العتيقة والخزفيات القديمة في سوريا. غالباً ما يختار عدم استخدام طلاء، مفضلاً الإبقاء على الصلصال بألوانه الطبيعية كونه مادة جوهرية في دورة الحياة "فهو التراب الذي خُلقنا منه، وتعودُ إليه أجسامنا". والصلصال يحافِظ أيضاً على ملمس يد وبصمة أصابع الفنان حتى بعد شيّه ليُصبح فخّاراً، بحيث يخلق توليفة طبيعية بين كل العناصر. أما الخشب، فهو خامة مختلفة تماماً. وباستخدام المنشار الكهربائي، يترك يوسف آثاراً قاسية على سطح الخشب لتكون بمثابة تجلّي لكل ذلك العنف الذي أحاط به على مدى سنوات عديدة. من خلال استخدام خشب يابس وبثّ الحياة فيه ليصبح عملاً فنياً، يُشبّه يوسف هذه الخامة بجلد الإنسان، لجهة ملمسه وصموده ومرونته، حيث يحتفظ بآثار الندوب المؤلمة العميقة. المعيشة في ظل حرب طاحنة تركت أثرها على الستّ أيضاً. ففي كثير من أعمالها، تُقدّم بقايا جثث حيوانات تم تعذيبها وقُطِّعت أوصالها تعتبرها "جثث مجهولي الهوية.. الذين تُركِوا في العراء والصحراء دون دفن". ورغم ذلك حرصت الفنانة على الحفاظ على قليل من الأمل لهذه الحيوانات، بحيث نفخت فيها قليلاً من الحياة فتركت بعضها ميّتاً ولكنه واقفٌ أو يرقص أو يمشي.

 

مستخدِماً توليفة ألوان موجودة في الطبيعة، بما فيها تدرجات البرتقالي والأخضر، يجد يوسف عزاءً أيضاً في تنويعات الأزرق المستوحى من ألوان نوافذ البيوت العتيقة والخزفيات القديمة في سوريا. غالباً ما يختار عدم استخدام طلاء، مفضلاً الإبقاء على الصلصال بألوانه الطبيعية كونه مادة جوهرية في دورة الحياة "فهو التراب الذي خُلقنا منه، وتعودُ إليه أجسامنا". والصلصال يحافِظ أيضاً على ملمس يد وبصمة أصابع الفنان حتى بعد شيّه ليُصبح فخّاراً، بحيث يخلق توليفة طبيعية بين كل العناصر. أما الخشب، فهو خامة مختلفة تماماً. وباستخدام المنشار الكهربائي، يترك يوسف آثاراً قاسية على سطح الخشب لتكون بمثابة تجلّي لكل ذلك العنف الذي أحاط به على مدى سنوات عديدة. من خلال استخدام خشب يابس وبثّ الحياة فيه ليصبح عملاً فنياً، يُشبّه يوسف هذه الخامة بجلد الإنسان، لجهة ملمسه وصموده ومرونته، حيث يحتفظ بآثار الندوب المؤلمة العميقة. المعيشة في ظل حرب طاحنة تركت أثرها على الستّ أيضاً. ففي كثير من أعمالها، تُقدّم بقايا جثث حيوانات تم تعذيبها وقُطِّعت أوصالها تعتبرها "جثث مجهولي الهوية.. الذين تُركِوا في العراء والصحراء دون دفن". ورغم ذلك حرصت الفنانة على الحفاظ على قليل من الأمل لهذه الحيوانات، بحيث نفخت فيها قليلاً من الحياة فتركت بعضها ميّتاً ولكنه واقفٌ أو يرقص أو يمشي.

 

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

صفاء الست،حذاء، ٢٠١١

 

إلى جانب الأثر الشرس للعنف، تنعكس جوانب مختلفة من تجارب الحياة في السنوات الأخيرة على أعمال يوسف والستّ، وهي تتجلى بأوضح صورها في الطبيعة التعبيرية الهادئة لبعض الشخوص والوجوه الطفولية. فبالنسبة إلى يوسف، تطوّرت مع الزمن شخصية ذات ملامح طفولية لطيفة لا يمكن تمييز ما إذا كانت ذكراً أم أنثى، وذلك انطلاقاً من قناعة بأن هناك طفلٌ داخل كل إنسان بالغ تنطوي في داخله مشاعر السعادة والأمل والألم. تتجسّد هنا ببراءة الأطفال كل الأحاسيس وبشكلها الخام دون أي مواربة. الستّ أيضاً تستقصي مفهوم البراءة، وخصوصاً ضمن سرديات الحرب والمجتمع، فتقدّم أعمالاً صغيرة لشخوص ذات تفاصيل ناعمة تبدو وكأنها تطفو في فضائها الخاص. بشكلها المستوحى من المستقبل ومعالِمها التي تشبه الإنسان الآلي، ترتدي هذه الشخوص فساتين جميلة وكأن كلاً منها عروس في يوم فرحها، ولكنها جامدة وكئيبة لا ملامح لها. سمعتْ الستّ الكثير من قصص زواج فتيات قاصرات في أرجاء العالَم العربي، وفي سوريا على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة. فالأهل اليائسون للحصول على مبلغ من المال مع أمل بحياة أفضل، يزوّجون بناتهم لرجال أكبر منهنّ بكثير. أولئك الفتيات الصغيرات، يتحرّكن بهدوء وبراءة إلى مصيرهنّ المجهول، وتحيي الستّ ذكراهن من خلال منحوتات معدنية نفّذتها لما اعتمل في نفسها من مشاعر حزن وغضب تولّد عند الاستماع إلى قصص زواج تلك الفتيات القاصرات.  

كثيراً ما سلّطت الستّ في أعمالها الضوء على قضايا المرأة ومسائل النسوية والجنسانية، فقدّمت المرأة الحامِل، وهي شخصية جميلة لطالما أسرت مخيلة الفنانة. كما كوّنت شخصيات ذكور وإناث ذات ملامح حادة وزوايا قاسية، مقابل غيرها التي أتت دائرية وسلسة. تحاول الستّ تقديم العلاقة الشائكة والمتناقصة والمعقدة – والمنسجمة أحياناً – بين الرجل بالمرأة. أما منحوتاتها لأحذية هائلة الحجم بكعبٍ عالٍ فتستحضر الكثير من الشخصيات النسائية التي صادفتها في حياتها، بالإضافة إلى جانب من شخصيتها هي. وانطلاقاً من قناعة بأن كل حذاء يُعبّر عن المرأة التي تنتعه، فإن هذا الرمز الصارخ للأنوثة تحوّل إلى علامة فارقة في أعمال الستّ، وشكّل نواة معرض كامل جال في عدة دول.

 

إلى جانب الأثر الشرس للعنف، تنعكس جوانب مختلفة من تجارب الحياة في السنوات الأخيرة على أعمال يوسف والستّ، وهي تتجلى بأوضح صورها في الطبيعة التعبيرية الهادئة لبعض الشخوص والوجوه الطفولية. فبالنسبة إلى يوسف، تطوّرت مع الزمن شخصية ذات ملامح طفولية لطيفة لا يمكن تمييز ما إذا كانت ذكراً أم أنثى، وذلك انطلاقاً من قناعة بأن هناك طفلٌ داخل كل إنسان بالغ تنطوي في داخله مشاعر السعادة والأمل والألم. تتجسّد هنا ببراءة الأطفال كل الأحاسيس وبشكلها الخام دون أي مواربة. الستّ أيضاً تستقصي مفهوم البراءة، وخصوصاً ضمن سرديات الحرب والمجتمع، فتقدّم أعمالاً صغيرة لشخوص ذات تفاصيل ناعمة تبدو وكأنها تطفو في فضائها الخاص. بشكلها المستوحى من المستقبل ومعالِمها التي تشبه الإنسان الآلي، ترتدي هذه الشخوص فساتين جميلة وكأن كلاً منها عروس في يوم فرحها، ولكنها جامدة وكئيبة لا ملامح لها. سمعتْ الستّ الكثير من قصص زواج فتيات قاصرات في أرجاء العالَم العربي، وفي سوريا على وجه الخصوص خلال السنوات الأخيرة. فالأهل اليائسون للحصول على مبلغ من المال مع أمل بحياة أفضل، يزوّجون بناتهم لرجال أكبر منهنّ بكثير. أولئك الفتيات الصغيرات، يتحرّكن بهدوء وبراءة إلى مصيرهنّ المجهول، وتحيي الستّ ذكراهن من خلال منحوتات معدنية نفّذتها لما اعتمل في نفسها من مشاعر حزن وغضب تولّد عند الاستماع إلى قصص زواج تلك الفتيات القاصرات.  

كثيراً ما سلّطت الستّ في أعمالها الضوء على قضايا المرأة ومسائل النسوية والجنسانية، فقدّمت المرأة الحامِل، وهي شخصية جميلة لطالما أسرت مخيلة الفنانة. كما كوّنت شخصيات ذكور وإناث ذات ملامح حادة وزوايا قاسية، مقابل غيرها التي أتت دائرية وسلسة. تحاول الستّ تقديم العلاقة الشائكة والمتناقصة والمعقدة – والمنسجمة أحياناً – بين الرجل بالمرأة. أما منحوتاتها لأحذية هائلة الحجم بكعبٍ عالٍ فتستحضر الكثير من الشخصيات النسائية التي صادفتها في حياتها، بالإضافة إلى جانب من شخصيتها هي. وانطلاقاً من قناعة بأن كل حذاء يُعبّر عن المرأة التي تنتعه، فإن هذا الرمز الصارخ للأنوثة تحوّل إلى علامة فارقة في أعمال الستّ، وشكّل نواة معرض كامل جال في عدة دول.

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

يامن يوسف، نصب تذكاري، ٢٠١١

وبالنسبة لهذين الفنانَيْن، ليست سوريا – ودمشق على وجه الخصوص – مجرّد مكان، بل جزءاً لا يتجزّأ من كيان كل منها، وممارستهما الفنية. فالتحديات التي تنطوي عليها الحياة والعمل في سوريا دفعت يوسف إلى الحديث عن "شرخ كبير في العلاقة بين الفنان والمجتمع، حيث لم يعد ما حولي يشبهني". باحثاً عن الجمال في العمارة القديمة ومحاولاً تكوين عالَم بصري بديل في مخياله، يلتقط الفنان صوراً لدمشق بشكل متكرر "لبناء ما لا يمكن تشييده على أرض الواقع، وبالتالي حماية عقلي". في بعض أعماله، تظهر الشخوص بأقدام من قوارب وجناحين بدل اليدين، وكأنها تبحث سراً عن فرصة للهرب. لكن غالباً ما يكون هذان الجناحان غير مفيدين، فيأتي أحدها مكتملاً والآخر مكسوراً، على شاكلة تمثال "النصر المجنح (ساموثريس)" اليوناني القديم الذي كان مصدر إلهام ليوسف. وهذه الكائنات المجنحة ليست ملائكة أو آلهة، بل شخوصاً تحمل مشاعر إنسانية وآمالاً وأحلام. 

وبالنسبة لهذين الفنانَيْن، ليست سوريا – ودمشق على وجه الخصوص – مجرّد مكان، بل جزءاً لا يتجزّأ من كيان كل منها، وممارستهما الفنية. فالتحديات التي تنطوي عليها الحياة والعمل في سوريا دفعت يوسف إلى الحديث عن "شرخ كبير في العلاقة بين الفنان والمجتمع، حيث لم يعد ما حولي يشبهني". باحثاً عن الجمال في العمارة القديمة ومحاولاً تكوين عالَم بصري بديل في مخياله، يلتقط الفنان صوراً لدمشق بشكل متكرر "لبناء ما لا يمكن تشييده على أرض الواقع، وبالتالي حماية عقلي". في بعض أعماله، تظهر الشخوص بأقدام من قوارب وجناحين بدل اليدين، وكأنها تبحث سراً عن فرصة للهرب. لكن غالباً ما يكون هذان الجناحان غير مفيدين، فيأتي أحدها مكتملاً والآخر مكسوراً، على شاكلة تمثال "النصر المجنح (ساموثريس)" اليوناني القديم الذي كان مصدر إلهام ليوسف. وهذه الكائنات المجنحة ليست ملائكة أو آلهة، بل شخوصاً تحمل مشاعر إنسانية وآمالاً وأحلام. 

حكايا أجنحة مكسرة وعرائس وبراميل صفراء - Features - Atassi Foundation

وانطلاقاً من رغبتها في البقاء قريبة من بيتها وورشتها والقليل من الأصدقاء الذين لم يغادروا البلاد، يبدو مستحيلاً كبح جماح المشاعر التي تربطها بالمكان. فها هي تصف دمشق بالكثير من الشغف والحب لدرجة أن المرء قد ينسى ما مرّ عليها من أهوال خلال العقد الماضي: "دمشق مدينة لها روح لا تملكها أية مدينة أخرى بالنسبة لي ولجميع من يزورها.. مدينة جميلة تحتضنك بالدفء والروعة". تلك الحميمية التي تتمتع بها دمشق دفعت الستّ وكثيرين غيرها للبقاء فيها، دون أن يحميهم ذلك الدفء من ويلات الحرب. تشير الستّ إلى مشاهد متكررة لمشرّدين وجرحى وأشخاص فقدوا أعضاءً من جسدهم. كل ذلك، شكّل حافزاً لإعداد معرض "برميل أصفر" عام 2015 في صالة (Art on 56th Gallery) في بيروت، الذي قدّم العديد من شخوص عانت من المصائب التي حلّت بسوريا مؤخراً. 

 

تُظهِر الستّ تجدداً دائماً وسبراً لأغوار أفكار مختلفة، وخيالها ومصادر إلهاماً هي نبع لا حدود له رغم كل الظروف. يوسف كذلك، يستمر في تجاربه ورؤيته الفنية بحماسة واجتهاد، رغم أنه كثيراً ما يواجه صعوبة في تصوّر الدور الذي يمكن أن يلعبه الفنان "في مجتمع يبحث عن الخبز". يُظهِر الفنانان التزاماً جارفاً بفنّهما وشعبهما ومدينتهما. وعندما سُئلَتْ عن تحديات الحياة في دمشق، أجابت الستّ "كما الحبّ هو سرّ، لهذه المدينة سرٌّ جميل". إنه ذلك السر المتمثّل بالحب المضني الذي يجعل هذين الفانَيْن يمضيان قدماً. 

وانطلاقاً من رغبتها في البقاء قريبة من بيتها وورشتها والقليل من الأصدقاء الذين لم يغادروا البلاد، يبدو مستحيلاً كبح جماح المشاعر التي تربطها بالمكان. فها هي تصف دمشق بالكثير من الشغف والحب لدرجة أن المرء قد ينسى ما مرّ عليها من أهوال خلال العقد الماضي: "دمشق مدينة لها روح لا تملكها أية مدينة أخرى بالنسبة لي ولجميع من يزورها.. مدينة جميلة تحتضنك بالدفء والروعة". تلك الحميمية التي تتمتع بها دمشق دفعت الستّ وكثيرين غيرها للبقاء فيها، دون أن يحميهم ذلك الدفء من ويلات الحرب. تشير الستّ إلى مشاهد متكررة لمشرّدين وجرحى وأشخاص فقدوا أعضاءً من جسدهم. كل ذلك، شكّل حافزاً لإعداد معرض "برميل أصفر" عام 2015 في صالة (Art on 56th Gallery) في بيروت، الذي قدّم العديد من شخوص عانت من المصائب التي حلّت بسوريا مؤخراً. 

 

تُظهِر الستّ تجدداً دائماً وسبراً لأغوار أفكار مختلفة، وخيالها ومصادر إلهاماً هي نبع لا حدود له رغم كل الظروف. يوسف كذلك، يستمر في تجاربه ورؤيته الفنية بحماسة واجتهاد، رغم أنه كثيراً ما يواجه صعوبة في تصوّر الدور الذي يمكن أن يلعبه الفنان "في مجتمع يبحث عن الخبز". يُظهِر الفنانان التزاماً جارفاً بفنّهما وشعبهما ومدينتهما. وعندما سُئلَتْ عن تحديات الحياة في دمشق، أجابت الستّ "كما الحبّ هو سرّ، لهذه المدينة سرٌّ جميل". إنه ذلك السر المتمثّل بالحب المضني الذي يجعل هذين الفانَيْن يمضيان قدماً.