تشغل الماديّة أعمال الفنان السوري، الذي ولد لوالدين سوريين في الجزائر، علي قاف ، البالغ من العمر اثنين وأربعين عاماً. يرسم علي قاف على أشكال بدائية وهيئات معمارية.درس الفنان تحت إشراف مروان قصاب باشي في دارة الفنون. كان علي قاف قد انتقل إلى برلين في عام ٢٠٠٢ لدراسة الفنون الجميلة في جامعة UDK، ثم عاد إليها مجدداً عام ٢٠١٦ ليتولى منصب مُحاضر في أكاديمة الفنBerlin-Weissensee. عاش قاف متنقلاً بين سوريا و الولايات المتحدة و لبنان وألمانيا وانعكس هذا التنوع في الأماكن على أرضيته متننوعة الثقافات. تدمج أعماله، المنفّذ معظمها على الورق، بين الثقافات الأوروبية والعربية وغالباً ما تستكشف أفكار التفريق وإعادة الجمع أو الفضاء والبناء أو ترابط المواد والأفكار حد التشابك أو التفكك.
أما الفنان ياسر صافي، البالغ من العمر اثنين وأربعين عاماً، فهو مقيم في برلين منذ عام ٢٠١٥ ، بعد أن درس ودرّس في كلية الفنون الجميلة بدمشق وشارك في ورشة عمل في جامعة لايبزيغ . تجمع رسومه الرقيقة بين الخطوط الجريئة والألوان الهادئة لتخلق أشكالاً تذكّر بالدمى المحطّمة في مسارح الدمى المتحركة. و بكلمات يوسف عبدلكي : « إن الأشكال في رسوم صافي ليست بريئة كما تبدو ، فهي تمثّل الأفكار و المخاوف و الهموم وأعمال العنف التي شهدها.»
يقيم الفنانان حالياً في استوديوهات في نيوكولن، إحدى ضواحي برلين، ويشاركاننا بعض الآراء حول الإنتاج الفني في برلين وتجاربهما في تلك المدينة.
علي قاف:
ما هي التحدّيات التي تواجه إنتاج العمل في برلين؟
التحدي الأكبر هو الجمع بين العمل الإبداعي داخل الاستديو والمطالب الحياتية اليومية التي يجب أن يوليها الفنان اهتمامه خارج الاستديو. العمل الخلاّق يتطلب الكثير من الحرية والوقت كي يتطور، وهذا الأمر صعب جداً في مدينة كبيرة.
لماذا تركتَ سوريا؟
تركتٌ دمشق عام ١٩٩٤ للدراسة في بيروت عندما كنت في السابعة عشرة من عمري. وهكذا كانت هويتي قد بدأت بالفعل بالتشكل بين مدينتين وعالمين. أما الآن بعد انطلاق الثورة في سوريا بات هناك صعوبة في العودة، ولكنني أستبدلُ وجودي في سورياً جسدياً بما أحمله في داخلي.
كيف كانت تجربة الاستقرار في ألمانيا واستئناف عملك الفني فيها بالنسبة إليك كفنان سوري؟
إن موضوع الهوية حاضرٌ دائماً: الحياة بين عالمين، الحاجة المتواصلة للتعبير عن الذات في محيط جديد : وضع الإنسان المثقف ووضع فنان من الشرق داخل الإرث الاستعماري الأوروبي. لا مفر من التعامل مع مسألة الهوية.
هل اكتسبت أي فائدة إيجابية من ممارسة الفن في استوديو في برلين؟
الحياة في برلين أكثر انتظاماً وهدوءاً من الحياة في دمشق، ولكنني أشتاق إلى حياتي هناك. في السنوات الخمسة الأولى بعد التخرّج كنت أقسّم وقتي بين المدينتين ، كنت أمضي أشهر الشتاء في دمشق. وهذا الانتقال بين عالمين كان مهماً جداً بالنسبة لي. في برلين كنت أفتقد إلى دفء العلاقات الإنسانية والعمق التاريخي الذي كنت أشعر به في سوريا. كما أنني أشتاق إلى الشمس!
بالنسبة لك ما هو التغيير الواحد الأكثر أهمية في المشهد الثقافي في برلين؟
برلين مدينة تتغير باستمرار، ومع أن هذا الأمر يمكن أن يكون متعباً لكنه يعني أنها تتميّز بسكانٍ شباب يضفون عليها حيوية استثنائية. لقد أصبحت برلين خزّاناً مدهشاً للأفكار والعلاقات الجديدة.
لأي حدّ تشعر بأنك تلقى الدعم في برلين بوصفك فناناً؟
إن حياة معظم الفنانين من جيلي وزملائي الذين تعلّموا في الجامعة هنا في برلين ليست سهلة بل مليئة بالتحديات. لكنها دون شك أقل قسوة من حياة الفنانين في مدن أوروبية كبيرة أخرى مثل لندن وباريس. ارتفاع الإيجار (بسبب تدفّق المشاريع الإنمائية التجارية هنا) وعدم وجود سياسة واضحة لحماية سكان المدينة من قبل السياسيين تسبّبا في حالة من عدم الرضى لدى السكان ، وهذا يؤثر على الفنانين أيضاً.
ينتهي يوم مثالي في الاستديو دائما بـِ ..... عمل فني مثير
أكبر تسلية بالنسبة لي هي .... هاتفي
أكون في قمة السعادة عندما ... أكون راضي نسبيّاً عن عمل فني أنجزتُه
ياسر صافي
هل كان هنالك نقطة تحوّل أشعرتك بالاستقرار فعلاً في حياتك في ألمانيا؟
حتى اليوم، لا أشعر بالاستقرار. ما زلت في مرحلة انتقال زادت من إصراري على العمل. كلنا نعلم كيفا أتينا إلى هنا وظروف حياتنا في البلدان المجاورة أو في الغرب. بالنسبة لي، الاستقرار يعني في النهاية حريّة التحرّك والقدرة على العودة إلى الوطن. عداعن ذلك، فالاستقرار عبارة عن قطعة ورق. ما هي الحرية إذا لم يكن باستطاعتي العودة إلى بلدي؟
ما هي بعض التحدّيات التي واجهتك خلال إنتاج أعمالك في برلين؟
تتضاعف التحديات بشكل متواصل بينما نمارس التجارب بأشكال فنّية ومعادلات جديدة. برلين عبارة عن مختبر ضخم والمعركة مع الوقت غير عادلة ، تعلّم اللغة والبيروقراطية التي لا تنتهي يقفان عائقاً أمام المحاولات للتركيز على العمل.
هل تعتقد أن عملك قد يكون مختلفاً في حال لم تترك سوريا أبداً؟
لو لم أترك سوريا أبداً ... من الصعب التخيّل كيف من الممكن أن ينشأ عمل فني من خلال فرضية "ماذا لو". الخبرة هي نتيجة لكل ما يطرأ ، واقع ملموس ومُعاش يخص صاحبه بالتحديد. من الواضح أن حساسية الشخص تجاه الأشياء تختلف كلما اختلفت العلاقات السياسية والاجتماعية هنا. ضِف إلى ذلك عامل الاختلاف في مناخ شمالي أوروبا والتكيّف معه.
كيف يؤثر محيطك المباشر على عملك؟
إن عملي اليوم هو امتداد للأسئلة التي كانت تشغلني في سوريا، إن كانت يومية أو هامشية. لا زلتُ مهتماً بالقضايا التي تشتعل حولنا، كما أن غالبية سكان نيوكولن على وجه الخصوص، (حيث يوجد الاستديو الخاص بي) من المهاجرين واليساريين وهم دائماً في حالة غضب. يوجد مقاومة شعبية كبيرة هنا في وجه قوانين ومبادرات معيّنة في برلين.
كيف كانت تجربتك كفنان سوري يستقر في ألمانيا ويستأنف نشاطه الفنّي فيها؟
عندما تأتي من "مناطق مشتعلة"، يتوقع الجميع منك أن تستخدم قصص الحرب واللجوء. تجربتي في برلين عمرها قصير لغاية الآن ولكن ما أخشاه هو فقدان الفردية ضمن السياق الجماعي بسبب هذه التسمية. أما على الصعيد الشخصي، فليس عندي أسئلة جذرية حول الهوية الثقافية، ربما لأنني أشعر بأنها قد تحددت عندما تركت القامشلي وذهبت إلى دمشق لدراسة الفن. ولكنني أقول أن الهوية مسألة معقّدة وليس لها حالة نهائية. يمكن رؤيتها من زوايا مختلفة، فهي متحركّة وليست جامدة.
ما هو الشيء المفضّل لديك بالنسبة للاستوديو؟
الطابق بكامله مكوّن من مجموعة من الاستديوهات لفنانين من خلفيات متعددة (الفنون البصرية، الموسيقى، الفن الأدائي..)
هل من مكتسبات إيجابية بفضل ممارستك الفن في استوديو في برلين؟
هناك ورشة للحفر منفصلة عن الاستديو الخاص بي. وهو بمثابة مساحة عمل مشتركة للحفر والطباعة، تعرّفت فيه على تجاربٍ هامة لفنانين مقيمين في برلين أو عابرين فيها.
ينتهي يوم مثالي في الاستديو دائما بـِ ..... سؤال
أكبر تسلية بالنسبة لي هي ....يوم مشمس في برلين
أكون في قمة السعادة عندما ... ينتهي دور الرقابة