في لوحات ناصر حسين، تطفو الشخصيات الرهيفة على سطوح صورٍ ساكنة، مرسومةً بضربات فرشاة رقيقة، تبدو معظم هذه الشخصيات من دون وجوه. ولكن إذا ما تمّ تفحّصها عن كثب، تتكشف خطوط دقيقة تحدّد الأنوف أو الحواجب أو الأفواه. تنمّ هذه الخطوط البسيطة عن مجموعة غنيّة من المشاعر الإنسانية كالتفكير و التأمّل الذاتي والملاحظة. تنحصر مواضيع لوحات ناصر حسين في تشكيلات دقيقة و ناعمة تحتضنها ظلال ومشاعر الوحدة والسكينة. في إحدى تلك الصور تبدو امرأة وكأنها تحمل شريكها على راحة يدها رأساً على عقب ، محاولةً تحقيق التوازن : من المستحيل معرفة فيما إذا كان هو يؤدّي الوقفة على اليد بمهارة أو يُقاوم الجاذبية أم أنه على وشك أن يطفو بعيداً. في لوحة أخرى، نرى رجلاً وامرأة يلتقيان وكأنهما معلّقان في الفراغ في رقصة ينعدمُ فيها الثِقَل. سواءً كانت الشخصيات الرهيفة التي يرسمها حسين راقدة عارية متأملة بوحدة داخل غرفها، أم تحدّق في المرآة بعيون لا ترى ، فهي تبدو كأنها قيد الذوبان مثل سيقان زهور ذابلة و جميلة.
ما يجمع أعمال حسين، إضافةً إلى أسلوبه ذي الحساسية العالية ، هو اختياره مجموعة لونية من الألوان الترابية الخافتة، البنّي والبيج والمغرة الصدئة، تتخلّلها ألوان بيضاء ناعمة ورمادية زرقاء متقلّبة. هذا التمكّن من الألوان هو ما يُعرّف أعمال حسين ويسمح له بـ « استكشاف الأشياء المحيطة به، واخضاعها للتفحّص البصري و إشراك المشاهد بتلك العلاقة الحميمة» على حد تعبير الفنان ضياء عزّاوي .
يشرح حسين عن الطبيعة الصامتة لمجموعته اللونية بأنها :« تنبع من فهم مزاج الأشخاص الذين يسكنون في اللوحات.» ومن هذا المنطلق يتم انتقاء الألوان لتكمّل الشخصيات التي تشغل اللوحات و مشاعر تلك الشخصيات . يضيف الفنان : «أرغب في الاستفادة من طاقة الضوء ومن مرونة وكثافة اللون معاً. إن تلوين هذه التحوّلات الرمادية المتداخلة مع الضوء تُشبّع الأشخاص بالقيمة التصويرية و التعبيرية على حدٍ سواء.»
توحي «التحولات الرمادية» في لوحات حسين، بمظهرها الضبابي و البقعيّ قليلاً ، بأن الشخصيات بعيدة وغير ملموسة ولكنها ودودة ودافئة في الوقت ذاته ، وكأن المُشاهد متلصّص يختلس النظر إلى لحظاتٍ خاصة. يقول حسين : « إن شخصياتي مُفعمة بالحياة مع أنها قابعة في فراغ، لا تكشف عن أي أثر للزمان أو المكان، كما أن ملامحها تختفي أحياناً دون أن أتيقّن من السبب، ربّما يعكس هذا الأمر رغبتي بالاختفاء، أو لعلّني أحياناً وبكل بساطة أحب أن أعطي أقل ما يمكن من المعطيات البصرية ، لأترك الأمر معلّقاً. إن كل لوحة هي عبارة عن عالمٍ قابلٍ للحياة، يعيش فيه سكّانه ويتنفّسون. أنا أقدّم عالماً معاشاً جديداً ، يعيش فيه أشخاص مختلفون وطبائع حياة متعددة.»
على هذا النحو، تعكسُ لوحات حسين حالته الفكرية ، كما يمكن النظر إليها كمقياس لمزاجه (« لم يعد هناك عائلة سورية لم تختبر الموت أو الاعتقال أو الخطف أو الدمار. وبينما لا أريد أن أبقى مجرّد متفرّجٍ ، لا أستطيع أن أكون شيئاً آخراً وهذا الأمر يتسبب بالإحباط»). وبالرغم من أن لوحاته تكشف عن أشياء حميمة جداً، إلاّ أن حسين يدعها قاصداً مفتوحة للتأويل. يقول : « لوحاتي هي الملجأ، و لهذا السبب لا أعطي عناويناً لأعمالي ، أريد أن يتواصل المشاهد معها بطريقته الخاصة ،عندما أتركها مفتوحة للتأويل يصبح المشاهد شريكاً لي ويصبح العمل مكاناً آمناً لنا نحن الاثنين.»
تأثّرت الكثير من أعمال حسين الأخيرة جرّاءانتقاله من دوسلدورف إلى برلين عام ٢٠١٢ . يقول حسين : «خلال السنوات الأربع الأولى من إقامتي في برلين كنتُ مصاباً بالإحباط لدرجة أنني لم أنتج الكثير من الأعمال. كنت أخشى أن أقع في فخّ إنتاج أعمال لا تشبهني. كان النظر إلى ما يجري في سوريا يدفعني للشعور بالعزلة والوحدة والنزوح عن الوطن. ولكن مع الوقت أدركتُ أن الحياة في برلين، المدينة التي عانت من الدمار البشع وأصبحت الآن في قمّة مجدها، تمنح الكثير من القوة والتوازن لشخصٍ مثلي، مدينته ( حلب ) قد دُمِّرت.»